الأيادي البيضاء
يأتي شهر الرحمة والمغفرة والصيام حاملا معه قوافل الإحسان والمثوبة، مدججا بفيلق من الأمل والتفاؤل، ماسحا دموع المكلومين المسفوحة، ومضدمضا قلوبهم المجروحة، جامعا مابين ساكن القصور، وساكن الأكواخ، مذكرا أولي النعمة والترف من ينامون ملء العين والبطن بما لذا وطاب، بألم إخوانهم الذين أرّق مضاجعهم الجوع والعطش والحرمان من متاع الحياة ولذيذ عيشها، مُعلِّما النفس الصبر والتَجُلُّد، مكبلا لمردة الشياطين والجانّ.
ومع أقتراب شهر البركات، تتسابق أيادي الخير البيضاء متمثلة في مؤسسات وجمعيات خيرية محلية كانت أو ولائية وحتى وطنية، من اتخذت مهنة التطوع سبيلا إلى نيل رضا الرحمن ، فشمرو عن ساعد الجد ونكران الذات، وانطلقوا بما أوتوا من الإيمان والحماس، لإدخال الفرحة على المعسورين والمحتاجين والأرامل سيما في شهر رمضان. والجمعيات الخيرية في ولاية أدرار ليست بمعزل عن هذا الحدث العظيم، إذ أن الزائر لأدرار في شهر الصيام سيقف عند عديد الجمعيات والنوادي النشطة والفاعلة ذات البعد الخيري، يترأسها فتية وشباب آمنوا بربهم وبرسالتهم الشريفة الغرّاء، إذ يبلغ عدد الجمعيات الخيرية في ولاية أدرار 11 جمعية خيرية، هذا في وسط المدينة فقط، بغض النظر عن بلديات البالغ عددها 28 بلدية ودوائرها 11 ومداشرها الكثيرة جدا المعروفة عندنا (بالقصور)، وكذا جمعيات الأحياء والمساجد، فكل هؤلاء يجتمعون على كلمة سواء بينهم مع اختلاف المسميات، وأقاليم أدرار الأربع، حيث تراهم في الشهر الفضيل، يسطرون برامج هادفة ومتنوعة كما يطلقون حملات واسعة من نظافة الأحياء وقفة رمضان، وإقامت مطاعم لإفطار الصائمين وعابري السبيل وألبسة العيد، ، يروّجون لها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومنبر إذاعة أدرار غرض استعطاف قلوب المحسنين وأهل الجود، ناهيك عن صولاتهم عبر الأسواق ومتاجر الولاية، من وضع قَفف في الحوانيت المواد الغذائية وحصالات، من أجل دعم صندوق الجمعية، وعلى هامش هذه الأعمال الجليلة، تقام مسابقات ثقافية ومحاضرات دينية وأماسي إنشادية، قصد إحياء ليالي رمضان.
والباحث في كرونولوجيا جمعيات الخير في الولاية وحسب أستقصائنا، وجدنا أول بذور جمعيات الخير، ظهر في حي الحطابة الواقع وسط الولاية، بتأسيس جمعية (بيت الخير) مطلع 2006م هذه الجمعية التي ضمت عديد المثقفين والإطارات، حيث دأبت على تنظيم أعراس جماعية وصلت إلى طبعتها الثامنة هذا الموسم من شهر مارس، هذا بمساهمة عديد الهيئات على غرار بلدية أدرار وغيرها من المؤسسات المساهمة في هذا الفرح الكبير. وبعدها انطلقت شرارة تأسيس ثلة من الجمعيات الخيرية الشبانية التي جمعت مابين الجنسين، بل وخصصت فرعا نسويا لها تنشط فيه النساء والأمهات، ومن أبرز هذه الجمعيات مثالا لاحصراً، جمعية همسة أمل للخير التضامنية الولائية بفروعها، جمعية كافل اليتيم ذات البعد الوطني، جمعية ناس الخير، جمعية الوفاق الخيرية بالمقاطعة الإدارية بتميمون…الخ، وغيرهم من الجمعيات الخيرية، التي تعتبر أسرة لما لا أسرة له، وبيتا للمتشردين، وحضنا لليتامى والأرامل، وملاذا للمغبونين من الناس. وقد تخطى العمل التطوعي التقليدي عندهم إلى العمل المؤسساتي المحترف المبني على أفكار ذكية إبداعية، تعود على الجمعية بدخل مادي وفير، وتسعى لإيجاد عمل للفقراء والمجتاجين يغلقون به باب الحاجة والفاقة، ومن أشهر الأمثلة الحية الناجحة في هذا مشروع الأسرة المنتجة التي تبنته جمعية همسة أمل _السابقة الذكر_، هذا المشروع الذي يهدف إلى تكوين مجموعة من الأرامل الماكثات في بيوتهن في الطرز والخياطة والصناعة التقليدية والحلويات، حيث تكفلت مديرية الشباب والرياضة بدعم قسط من المشروع، لاتفاقية مبرمة مع الجمعية ذات لقاء، حيث استفاد منه مايزيد عن 32 امرأة أدرارية، اتخذت منه رزقا حسنا يغنيها عن التسوّل، أمّا جمعية كافل اليتيم عندنا، فيحمل برنامجها العديد من التحديات، وذلك نظرا لصيتها الوطني وحضورها الإعلامي، إذ تعد وطنيا من أنشط الجمعيات الخيرية المتخصصة برعاية اليتيم، حيث تسعى لإنشاء أول مجمع خيري للأيتام بالولاية، إذ يتكون من ثلاث طوابق تحوي روضة للأطفال وعيادة طبية وأقساما للتدريس وورشات للأرامل والأيتام، ناهيك عن تنظيم عديد المخيمات صيفية موسمية لليتيم ، ومعارض لبيع منتوجات الأرامل المغبونات ذواتي الحِرف بعد تكوينهن من طرف المختصين، ويجري هذا بالتنسيق مع غرفة الصناعة التقليدية والتكوين المهني وغيرها من المؤسسات النشطة في هذا الميدان. وبعد هاتين الجمعيتين نجد جمعية ناس الخير التي أطلقت مبادرة طيبة وفكرة نوعية متميزة، لقيت إقبالا كبيرا من لَدُن شباب أدرار، تجلت في جمع 10 قِفف من المواد الغذائية أومايعادلهن نَقدا، وبعدها المشاركة في السحب على عمرة للبقاع المقدسة، والجميل أنها مفتوحة للجميع دون استثناء.
إذاً هذه نماذج منيرة من علامات التميز الخيري في أدرار، بل هي غيض من فيض، ولولا مخافة أن أطيل لذكرت الكثير من النماذج على غرار جمعية أطباء وصيادلة المستقبل، التي تعنى بالجانب الطبي والتكفل صحيا بالطبقة الضعيفة في المجتمع التي لاتمتلك مصاريف العلاج، وكذا تقديم فحوصات طبية للقرى النائية التي لا يعرف معاناتها إلاّ الله، نعم إهي إنجازات تستحق كل كلمات التقدير والظن الحسن، علما أن عمر الواحدة منها لا يتجاوز العشر سنين والمستقبل يعد بالكثير، ولكي ليصل هذا السعي إلى أوجه، لابد من التفاف رجال الأعمال وكبار التجار ونُخُب المجتمع من مسؤولين ومنتخبين محليين حول الجمعيات الخيرية، وتيسير أمورها وحل مشاكلها التي تعاني منها وما أكثرها عندنا، ومع هذا يظل العطاء والبذل والسبق لرسم البسمة على كل وجه جعدته بنات الدهر، وطوت فؤاده أيام مسغبة، ففعل الخيـــــــــــــر قبل كل شيء متعة وليس واجبــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
بقلم مبروكي محمد
جميل …أخي محمد ..والله شيء رائع لما نرى هذا الاستباق إلى فعل الخير وقد كثرت الأيدي البيضاء في السنوات الأخيرة لكن هذا الفعل لا زال يحتاج إلى تأطير حتى تتم تغطية الاحتياجات الحقيقية ..والله الموفق
شكرا لك على تفاعلك معنا