الاحتفال باليوم الوطني للصّحافة ذريعةٌ لكشف جانبها المُشرِق والتّكتّم عن واقعها المُظلِم

جميلٌ أن تُخصِّص الدّولة يوماً وطنيّاً للاحتفال بالصّحافة، والأجمل من ذلك أن تبقى ذكرى هذا اليوم راسخةً في أذهان الجزائريّين طيلة أيّام السّنة، ومن خلال هذا التّلميح، لابد من التّوضيح بأن الصّحافة ليست مهنةً يتمّ الاهتمام بها في يوم واحدٍ من أجل تبادل التّهاني والجوائز في مختلف المؤسّسات والمحافل، بل هي أكبر من ذلك بكثير، وللأسف لا نجد ذلك مُجسّداً في الواقع اليومي لمهنة المتاعب، التي تضاعفت متاعبها من “متاعب المهنة” إلى “متاعب المهنة والفساد واحتكار المعلومة”، وليس الهدف من هذا الطّرح هو الطّعن في مهنة نبيلة كالصّحافة أو تشويه سمعة من يَمْتهِنُونَها، ولكن يجب أن يوُصف الحال بحقيقته دون تضخيم ولا تقزيم.

تُعانِي مهنة الصّحافة من عديد المشاكل والعراقيل، التي أصبحت تحدّ من نجاعتها في توفير حق تلقي المعلومة لجمهور وسائل الإعلام بكلّ أنواعه، ورغم أنّه لا يُمكِن لمهنة المتاعب أن تكون حكراً فقط على المتخصّصين في الصّحافة الإعلام، لكنّ الغريب في الأمر هو انقلاب الوضع بأن أصبح المتخصّصون فيها فئةً قليلةً ومُستضعَفة، خصوصاً طلبة علوم الإعلام والاتصال الذين يطمح الكثير منهم -منذ دراستهم بالجامعات- للعمل في مجال الصّحافة، فيجدون أبواب المؤسسات الصّحفية والإعلامية مُغلقةً في وجوههم، وهي تستقبلُ في الخفاء أشخاصاً لا صِلة لهم بالمهنة إمّا قرابةً أو وساطةً أو تبادل مصلحة. وعند التعمّق أكثر في تفاصيل مهنة الصّحافة، نجدها مليئةً بمظاهر فساد الدّخلاء وقمع أصوات الصّحفيين الشّرفاء، قد يُذكر على سبيل المثال التستّر على تجاوزات المسؤولين وأصحاب القرار ابتغاء رِضاهم، واستخدام رقابة الخطّ الافتتاحي من طرف رؤساء التّحرير ومُلَّاك وسائل الإعلام في الحدّ من حرّية الصّحفيين ومنعهم من نشر المعلومات والحقائق، وتوظيف الرّشوة والتّرقيات والعلاوات لتشويه سمعة أشخاص طبيعيّين ومعنويّين أو التّكتّم عن نشر مخالفاتهم التي تضرّ المواطنين.

كما أنّ الصّحفيين كانوا ومازالو يُعانُون من التّهميش وانخفاض متوسّط الأجور والعراقيل الميدانية أثناء أداء مهامّهم، وهو ما ينعكس سلباً في النهاية على المحتوى الذي يُقدَّم في وسائل الإعلام.  زيادة على ذلك، تُعانِي مهنة الصّحافة بشكل عام في الجزائر من اضطراب المنظومة القانونية التي تُسيِّر هذا القطاع الحسّاس خصوصاً في مجال الصّحافة السّمعية البصرية والصّحافة الإلكترونية، ورغم عدم إمكانية الجزم بأنّ السّلطة الحاكمة في الجزائر، تتعمّد إبقاء القوانين المُنظِّمة لمجال الصّحافة والإعلام غامضة غير واضحة ومليئة بالثّغرات، لكنّ هذا الأمر أدّى إلى حدوث حالة فوضى عارمة في تأسيس وسائل الإعلام، كالقنوات التلفزيونية والإذاعية أو الصّحف الرقميّة والمواقع الإلكترونية الإخبارية، وتوضيح شروط منح التراخيص القانونية لنشاطها، وضوابط العمل الصّحفي وأخلاقياته، ونشر المحتوى الإعلامي الذي يتناسب مع الهويّة الوطنية والثقافية للمجتمع الجزائري، وأصبح ضروريّاً أكثر من أيّ وقت مضى إصلاح قوانين الصّحافة والإعلام التي لم تعد صالحة لتجسيد إعلامٍ وازنٍ يُساعِدُ في توعية الجزائريين ويُساهِمُ في تنمية الدولة وازدهارها.

إذاً، حريٌّ بهكذا مُناسبة (اليوم الوطنيّ للصّحافة) التي تُطِلّ علينا يوم 22 أكتوبر من كلّ سنة، أن لا تنحصر فقط في الاحتفال واستعراض إنجازات المؤسّسات الصّحفية والصّحفيّين وتنظيم المسابقات وتوزيع الجوائز، فكلّ هذا يجب أن يَبقى ويُثمَّن، لكن يجب أن تُضاف إليه وقفات وتأمّلات في واقع الصّحافة والعمل الصّحفي، بالاستكشاف والتدقيق في المجريات والحيثيات، وأن يتمّ التّعبير عن آراء التّحسّر وعدم الرّضى اتجاه المشاكل والسّلبيات التي تشهدها مهنة الصّحافة مثلما نتَهافتُ في هذا اليوم للتّعبير عن آراء الشّكر والامتنان اتّجاه الصّحفيّين، الذين يعلمون بأنفسهم قبل غيرهم بأنّ مجال الصّحافة والإعلام في الجزائر مازال بعيداً جدًّا عن المستوى التّوعوي الرّاقي والاحترافي الذي يجب أن يكون عليه.

كتبه: عبد الرحمن قدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.