التاسكيحت ( المسحراتي ) نفحة من عبق التراث

يعتبر التراث في أي حضارة ، أو أمة ، أو مجتمع تلك الصورة الراسخة التي تأبى الانصياع لتصاريف الزمان ، كما أنها تجسيد ، ورسم لإحدى معالم ما كان عليه الأسلاف ، والميزة التي تبرز الفوارق بين المجتمعات الإنسانية .

والمعلوم لدى أغلب الدارسين ، والباحثين ، وحتى المختصين في التاريخ ، والتراث أن ولاية أدرار بها خزان تراثي بشقيه المادي ، واللامادي ما عجزوا عن تفكيكه ، وسبر أغواره وشق َ كذلك على هواة البحث ، وفيه أيضا ما يكتنفه الغموض خصوصا ما تعلق بحصر المجال الزمني ، وحتى الأشخاص أصحاب الأثر الذين أسهموا في اختراع هذا الموروث .

وبما أننا في شهر الصيام ، ارتأيت أن أسلط الضوء في مقالي هذا  على أثر غير مادي ( شفهي ) لا يزال صامدا رغم اكتساح مظاهر التحضر ، والتمدن من مختلف المشارب ، والمضارب وبالتحديد بإحدى أقاليم هذه الولاية المترامية الأطراف قورارة حيث لازالت ” التاسكيحت ” أو ما يعرف بالمسحراتي عادة باقية إلى يومنا هذا لصيقة بالشهر الفضيل  …. وقد كتب  في هذا الموضوع قبلي الأستاذ “عبد الحكيم بورزيق ” _ رئيس لجنة البحث بجمعية المجاد للبحث في تاريخ الأجداد _  لكن لم نجد ما يشفي غليلنا حول هذه العادة الجميلة الأصيلة ، والتي تحمل بين طياتها أبعادا اجتماعية ، بل وقيمة من قيم ديننا الحنيف قيمة التضامن ، والتكافل بين أفراد المجتمع داخل القصر ، وقد شدني الفضول كي أضيف على اجتهاده شيئا ما .

المعروف عن هذه العادة تواترا أنها تبدأ من الليلة الثالثة لشهر رمضان المبارك ، وتتوقف بعد ليلة السابع والعشرين منه أي بعد ليلة القدر المباركة ، وكل غرض المشرفين عليها إعلام سكان القصر بدخول وقت السحور ، وتكون ممارستها كالآتي : يمارسها شباب في مقتبل العمر ، يجوبون أزقة  القصر ، مرددين أهازيج باللهجة الزناتية فيها تهليل وحمد وثناء ، مستعملين فيها آلات محلية ك .: “الرباع” ، و “الخلاف ” ، و “القانقان” الذي يعتبر صاحب الرنة الأساسية ، وضابط الإيقاع  .

وتردد هذه الأهازيج مقسمة كل ثلاث ليالي بأهزوجة معينة يختارها  قائد جوق التاسكيحت  ففي الليالي الثلاث الأولى تكون ترحابا وفرحة بحلول رمضان ، وهكذا إلى غاية الليلي التي تسبق نهاية الشهر ففيها وداع للشهر الفضيل على أمل أن يعود في العام المقبل ، وهم أصحاء حتى يؤدوه حقه من العبادة .

دون أن ننسى أن التاسكيحت تعود بعد فجر يوم العيد لتجوب أزقة القصر جابية لزكاة الفطر ، وإعطائها لمستحقيها ، وقبل الذهاب لصلاة العيد يقاسمون ما تبقى من الزكاة بعد أدائها لمستحقيها فيما بينهم عملا بما جاء في الآية الكريمة {…. والعاملين عليها …..} .

وهذه العادة تحظى بقبول لدى ساكنة القصر العتيق ، والدليل على ذلك انه في كثير من الأحيان يُكرمون المسحراتي بوجبة سحور كاملة شكرا له  على ما يقوم به ، رفقة المرافقين له ، وعاما فعاما أيضا يزداد الإقبال عليها من طرف الفتية رغم أنهم في بعض الأوقات لا يفهمون ما يردد لكنهم يتناغمون ، وينسجمون مع اللحن والإيقاع الذي تدرج عليه الأهزوجة ،.

ويبقى هذا الموروث اللامادي يقاوم عوامل الزمن غير آبه باكتساح التكنولوجيا والعصرنة ، إذ يسافر معه سكان القصر في كل ليلة من ليالي رمضان في رحلة سياحية روحية ، في منظر بديع صُورَتهُ : تناول وجبة السحور ، مع ترانيم التاسكيحت .

والمصدر الوحيد الذي يعتبر صندوق أسرار هذا الفن الأصيل هو السيد إبراهيم  حفظه الله الذي سنسعى معه لإزاحة الغموض الذي يحيط بهذا الكنز المخبوء ، كإحدى العادات التي تتفرد بها منطقة تيميمون .

ويبقى المجال مفتوحا للبحث عن جذور هذه العادة الأصيلة

 المصادر  والمراجع :

1 _ معايشة ميدانية .

2 _ مقال للأستاذ عبد الحكيم بورزيق صادر في عدد خاص لمجلة نادي الأمجاد للبحث في تاريخ الأجداد جوان 2015

 

           الكاتب : ياسين لعصب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.