التعليم في الجزائر إلى أين …؟

تجدني هذه الأيام أمارس شيئا من طقوسي المقدسة، التي صارت عزيزة علياّ في هذا الوقت بالذات، حيث أني أعتدت تناول قهوة ساخنة مركزة ممزوجة بشيء من حليب كل صباح، وبعدها أفتح الشاشة الصغير مباشرة بكل فضول، لأشاهد شيئا  مما يجري في ذلك الواقع القريب والبعيد، الذي تنقله لنا القنوات الأرضية والفضائية على حد سواء، ولو أن اليتيمة تضع على صورة الجزائر العميقة شيئا من المكياج لتخفي ملامح القبح في ذلك الوجه الذي جعّدته بنات الدهر، أو تحاول إبرازها من وراء الحجاب، مهتمة بنقل الجوانب المضيئة التي تعد على أصابع اليد الواحدة، غيرنا أن قنواتنا الخاصة تسارع دائما لنقل كل شاردة وواردة، مما يتجرعه الشعب المسحوق في القرى والمداشر، من ( مزيرية) بشتى أنواعها وألوانها في بلد المعجزات والثوابت والمتغيرات، والغريب في أمر أننا هاته الأيام نشهد سلسلة من النكبات والمعضلات  تنزل علينا كقطع الليل المظلم، لاتنتهي حتى بانبلاج الفجر، وآخرها الحدث الذي يذهب ثم يعود، يخرج من الباب ويرجع من النافذة، فصار حديث حامل القلم وحامل السجارة، ووجبة دسمة لرواد المقاهي، وللعاطلين عن العمل، من يملؤون فراغهم بالكلام عنه ، محللين ومنتقدين وربما معارضين وداعمين مع بعض الشفقة والظن المبتسم، معلقين على الأساتذة المضربين، والخارجين إلى الشوارع منديدن بمطالبهم حقوقهم المشروعة، لكنهم دوما  ما يقابلون بالرفض والإهمال، من طرف ولي نعمتهم السيدة بن غبريط العنيدة ومنظومتها المشلولة، المكرسة للدناءة والتغريب، ولو أنهم يدعون النزاهة والتخصص والحرص، غير أن الواقع كشف القناع عن هؤلاء وأخرج حقيقتهم إلى المجتمع والصحف، ففي كل موسم دراسي نرى جملة من غرائب القرارت الارتجالية، بداية من برنامج جديد دخيل، كثير الثغرات غامض الهوية والطريق، باهت العوالم، أتعب الطابعة وكاهل التلميذ، أخطاء مطبعية متكررة كل سنة، حذف للبسملة، تسريب أسئلة الباكلوريا، التسرب مدرسي، وسيل من الكدمات الضاربة للتعليم والتربية في المقتل، وكأنما الأمر متعمد ومدبر بليل، هذا رغم كل الإصلاحات التي يفخرون بها على المنابر، فالملاحظ يجد أن معدل الفساد والقلاقل في منظومة التربية عندنا في تزايد مستمر، علما أن هذا ميدان حساس جدا، ويعد عمودا فقاريا لكل الدول والأمم، فالتعليم هو أساس الرقي والإزدهار، وعليه تبنى الحضارات وتسود، فالدارس للتاريخ سيلاحظ هذا، وأكبر دليل أمامنا الدولة المتقدمة اليوم فهي تصب جل اهتمامها على التعليم، وتسخر له إمكانيات ضخمة وأموالا طائلة لتحسينه، من خلال إعطاء قدر عظيم للمعلم  وتوفير كل الظروف الجيدة التي تساعده لتأدية رسالته بكل إجابية وحماس، ناهيك عن عديد الامتيازات والمكافآت، نظير مهمته النبيلة التي لا تقدر بثمن، واسأل بذلك رئيسة ألمانيا (أنغيلا ميركل) من جعلت أجرة  المعلم الأعلى من بين كل موظفين في ألمانيا، ولم أحتج بعض الأطباء على هذا القرار، وطلبوا منها أن ترفع أجورهم ليعادلوا المعلمين، رفضت وقالت مقولتها الشهيرة:” من المستحيل أن أجعل أجوركم معادلة لمن عَلَّمكم”، وبذلك أصبحت ألمانيا رائدة الاتحاد الأروبي بكل المقايس وفي جميع الميادين الثقافية والاقتصادية  والسياسية وحتى الرياضية.

أما نحن في جزائر اليوم الأمر معكوس عندنا، حيث صار المعلم محل سخريات الجميع دون استثناء، سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، بل وشُهِّر به وبأجرته التي تُعَد من الخصوصيات، بل تجاوزه إلى تلقيبه بعدت صفات لا تليق بحملة العِلم، وتأليف قصص مضحكة مستهزئة به، وكل هذا مرده إلى وزارة التربية التي أفلست منذ زمن، وبالجهة المقابلة نجد أساتذة رافضين لهذا الوضع الأليم والتعيس، فشلُّوا حركات المدارس عن طريق الإضرابات، الذي ولّد صراعا مع الوزيرة وطاقمها، فالكل يرفض التنازل للآخر، معارك دامية لا تتوقف كان ضحيتها التلميذ وأبناء الزوالية، فإلى متى تستمر هذه المهازل ولعبة القط والفأر، وهل الجزائر بما حملت من العقول والقدرات، لا تمتلك رجلا نبيها، يتولى إدارة دفة سفينة التعليم، وإنقاذها من الغرق المحتوم، والأخذ بها إلى بَرّ الأمان، أو أن رحم أمهات الجزائر قد عقمت على أن تأتي لنا بأمثال الشيخ الإبراهيمي في إصلاحه أو مالك ابن نبي في فكره؟، أعتقد أن الجزائر مكتظة بعديد العقول النيرة التي تصنع الحدث وطنيا وعالميا، غير أن بقايا أبناء فرنسا من يتربصون بالوطن الدوائر لا يتركون لهم الفرصة أبدا، حتى ولو أعطوا الفرصة فلن تكون لهم كامل الحرية في عمله بل سيملى عليه، فالقضية هنا أكبر من تغير منصب بمنصب، وإلى أن يصل موعد الفتح المنظر، تبقى سوسة الفساد تصول وتجول وتنخر الأجيال، وهذا منذر بتشاؤم مستطير، وخطر يعرفة جيدا أولوا الكعب العالي الصاعد إلى الأسفــــــل والحضيض

بقلم مبروكي محمــــــــــــــــــد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.