الحَلَقة المفقودة

إن أدرار ذات النخل والطين والتاريخ الضارب في عمق الجزائر، كانت إلى وقت غير بعيد ترصد الكاميرا جوانب مهمة ظلت محورا يسوّق به لأدرار في مختلف المحافل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت ماركا تميزها عن غيرها من ولاية الوطن، هذا رغم وجود عديد النقاط المضيئة والإنجازات العلمية في مختلف المجالات التي تَضُجُّ بالإبداع والحياة.

  فمنطقة توات بمدارسها القرآنية الرائدة في الوسطية وتحفيظ القرآن الكريم وتخريج الأئمة الأكْفَاء،  تشهد على الضفة الأخرى فسيفساء  شكلها موروث ثقافي ثري، المادي منه وغير المادي باختلاف إيقاعاته ورقصاته ومخطوطاته، طبوع مشبعة بحمولة تاريخية مهدت لإعداد نخبة مثقفة تتنفس إبداعا محليا خالصا، ترجم مكنون أدرار الأزلي إلى المسرح والرواية والقصيدة والفن والموسيقى، نخبة أضافة لخصوصية المنطقة المعروفة بزواياها ذات البعد الديني ، وفلكلورها البارز في الوعدات والافراح،  إشراقا آخرا يخرج من مشكاة واحدة، باعتبار أن الثقافة والعلم والفن لايبغي بعضُه على بعض، فلكلّّ وِجْهة هو موليها.

ولأن الحظ يحالف القلب الشجاع والعقل المستعد، كان لزاما أن يُنصَف الأكفء المجتهد، وهذا ما ظهر جليا من خلال تتويجات أبناء المنطقة في مختلف المحافل الوطنية والدولية،  حيث نجد في ميدان الإعلام، الصُحفي  رمضان جعفري الذي افتك جائزة رئيس الجمهورية للإعلامي المحترف بجدارة واستحقاق، من خلال ربورتاج يبرز طرق وأساليب الحوار عند قبائل الصحراء للتواصل إلى حل الخلافات، وفي الإنشاد حيث يُختبر الصوت والأداء، يتوشح المنشد الواعد محمد عبد الله بشيري بوشاح مسابقة برنامج حادي الأرواح ليغرد فريدا على ركح النغم  والتتويج،  ونضيف لميدان الصوت ميدانا آخر طرق العالمية من أوسع ابوابها، فها هو الكاتب الحاج الصديق الزيواني يعلن اسمه عاليا في سماء دولة الإمارات لتربعه ثانيا في مسابقة البوكر العالمية للرواية العربية، مرفوقة بإشادة واسعة من القراء والنقاد بروايته الموسومة ( مَنّا قيامة شتات الصحراء)، ولن نبرح ميدان الكتابة لنقف عند كاتب آخر لايقل ألقا وتميزا عن سابقه، إنه الروائي عبد الله كروم صاحب رواية الطرحان النابعة من عمق توات والتي ظل الكاتب يراجعها ثلاث سنوات معدودات حتى يخرجها للمتلقي، لتستقر في ظرف وجيز على عرش المسابقة الوطنية للأدب (آسيا جبار) في ميدان حقل الرواية المكتوبة بالعربية، ولم تقف سلسلة التتويجات عند هذا الحد، بل  تجاوزت النثر للشعر الملحون، فحينما وقف ابن مدينة أولف عبد الله البرمكي يلقي شعره في مسابقة القصيدة المحمدية في مدح خير البرية في أولى طباعاتها، أدهش لجنة التحكيم بإطلالة قافيته وتفعيلات قصيده القويم، الذي استوى إبداعا صقلته المُكنة والحضور، ليؤكد بذلك أحقيته في ارتداء البُردة المحمدية والظفر بها بشهادة الجميع، أما عن المسرح فلم يلبث يراوح مكانه يشكو القطيعة وبعد المسافة عن العالمية والاحتراف، بل وجد له مكانا تحت الشمس بعصامية وعمل دؤوب آت أكلها بعد سنوات من النضال والتكوين المستمر، فبعد النجاح الكبير الذي حققته ليالي مسرح الصحراء الدولية، يأتي  تكريم الممثل المسرحي عبد الجليل معلم بجائزة علي معاشي للمبدعين الشباب، وبعده الفنان عقباوي الشيخ المتوج كأول عربي وافريقي في الدورة (41) لمهرجان جيجو بكوريا الجنوبية ضمن قائمة طويلة  ضمت  عديد المبدعين حول العالم، ولا زالت شموع الفن السابع تطمح للمزيد سواء في الإخراج أو التمثيل على حد سواء، ولأن العصر يشهد طفرة الذكاء الاصطناعي والابتكار وانشاء المؤسسات(startups) التي تسعى الدولة إلى تشجيع الشباب للولوج إليها، لما فيها من انعكاس إيجابي على الاقتصاد الوطني وامتصاص البطالة وتوفير مناصب شغل، شرع ابن بلدية تمنطيط صالحي عصام في بلورة افكاره النموذجية إلى اختراعات نوعية  قاربة 24 اختراعا، وهذا ما أهّله للفوز في مسابقة المعهد الوطني للملكية الفكرية (INAPI) للمبتكر الصغير، ليكرم بعدها بذرع أحسن مخترع للسنة من طرف المنظمة الوطنية المبتكرين،  نظير اختراعه لروبوتيك مضيفا نجمة أخرى لسجله الحافل بالإنجازات.

 نماذج فريدة من رحم أدرار تصنع الحدث حيثما حلت وحيثما ارتحلت في جل التخصصات والفنون المتاحة، فعندنا المقرئ المتقن، والمنشد الهمام، والشاعر المبدع، والروائي المُجيد، والمسرحي البارع، والمبتكر الذكي، والفنان المولع بالعود والقيتار،  والفوتوغرافي المتيم بالكاميرا وفنيات التصوير، والكل  ينتج في مجاله الذي يسره الله له، ولا يحق لنا أن نجحف حق أحد على حساب الآخر، ولا أن نقارن موهبة بأخرى، وقد لخص لنا هذه المعادلة الجامعة لعصارة تجربة حياة، الفيلسوف الصوفي جلال الدين الرومي بقوله “فحيثما أنبتك الله ازهر” .

كتبه: مبروكي محمد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.