الفقارة تراث محلي وعبقرية في الصناعة تتحدى الاندثار
الفقارة تراث صحراوي هام تشكل عملية بنائها بالشكل التقليدي خطرا يحتاج لتدابير وقائية حديثة لحماية بنائيها وتقديم تحديات نحو سبل الاستدامة الحديثة ومكافحة خطر الإندثار ..
الفقارات تراث يرتبط بالحياة الإجتماعية و المحلية
ثمن دكاترة وأساتذة حضورهم لليوم الدراسي عن الفقارة الذي جاء بعنوان تراث الفقارة ..بين تدابير الحماية و تحديات الاستدامة والذي تم فيه مناقشات حول أهمية الفقارة في حياة سكان توات والحضارات المجاورة لها من تديكلت و قورارة وصولا تمنراست ومدى حاجتهم لتوفير تدابير الحماية التي تمكنهم من بنائها لتجنب الحوادث في العمل ورسم خطط لعصرنتها بالوسائل التكنولوجية الحديثة حسبما جاء في المداخلات التي قدمها دكاترة جامعيين من جامعة أدرار و جامعة سعد دحلب من البليدة ,نتج عنه عدة توصيات دعت الى تعزيز مكانة الفقارة و معالجة النصوص التنظيمية والمراسيم التنفيذية المتمثلة في القرار رقم 426 الموقع بتاريخ 26 جوان 1996 الذي لم يعد مسايرا لواقع التشريع المائي الحديث فضلا عن تغير النظام الاداري للولايات في الأقاليم التي تتواجد بها الفقارات والتي أصبحت لا تشمل الولايات الجديدة التي تم تعيينها كولاية تيميمون و عين صالح وبرج باجي مختار , كما أكدت مخرجات الملتقى على ضرورة تصنيف الفقارات كتراث وطني مادي يتطلب الحماية والدعم في ظل السعي للسطو على الممتلكات الثقافية الوطنية من طرف دول الجوار , وقد طالبت التوصيات المنبثقة عن الملتقى بإنشاء مركز ذو طابع متحفي بفقارة ماسيني يوضع بداخل حرم الجامعة لتقديم نظرة عامة عن مفهوم الفقارة و إبراز معارفها المكتسبة وتراثها الحضاري بتوات , وركزت التوصيات كذلك على ضرورة نشر الوعي لدى المجتمع المدني المحلي و المؤسسات البحثية ودعوتها للقيام بأيام دراسية و حملات تحسيسية ميدانية حول الفقارة ومشاركة الفاعلين من الطلبة والجمعيات كونها تراث قدم نظام أمثل في استغلال الموارد المائية بشكل عقلاني رشيد .
دعت الجلسات العلمية من اليوم الدراسي لتسليط الضوء عن الدور الذي يلعبه العمال المحلييون في بناء الفقارة والمعاناة الصحية التي يتعرض لها معظمهم كالأمراض المزمنة والروماتيز وأمراض في الهيكل العظمي والتي تعود لطريقة بنائها بشكل أفقي والبقاء لفترات طويلة بشكل منحني من أجل الحفر وتجميع الطمي والطين داخل آبار الفقارات وهو مايدعوا للحاجة لدراسات مورفولوجية وتوفير وسائل حديثة بعيداعن الوسائل التقليدية كالفؤوس و المعاول المستخدمة في الحفر وجمع الطمي والطين وتكسير الحجارة والطوب ,كما يعد عمال الحفر في آبار الفقارات أكثر عرضة للإصابة باضطرابات التنفس المزمنة لعمق الحفر وطول مدته التي قد تترواح لأشهر في أماكن مغلقة التهوية , كما يتسبب انعزالهم لمدة طويلة بعيدا عن مساكنهم و ذويهم لتعرضهم للأمراض النفسية والسيكولوجية و القلق مزمن والتي تعود إلى خوفهم الدائم من التعرض لخطر الانهيار الصخري او الطيني التي قد تؤدي لهلاكهم في أي لحظة , وهوما يدعوا لضرورة تطوير وسائل الصيانة وشفط الطين والطمي وتوفير بيئة صحية للعمال مع استخدام وسائل معاصرة للتهوية والإنارة والحفر .
تعتبر الفقارة موروثا تراثيا واجتماعيا شكل جزءا من المجتمع حيث تملكها أصحابها أخذا بالمصادر الإسلامية والشرائع التي تعنى بالآبار وتمليكها فاعتمد الفقهاء على قاعدة رفع الضرر في تحديد شرعية تمليك الآبار والفقارات , والتي كانت تحصل بسببها العديد من النزاعات والمشاحنات بين ملاكها أو قضايا الميراث او حتى بين ملاكها وأصحاب البساتين الذين يسعون للسطو عليها و المقاولين وأصحاب المشاريع التي تمس المنطقة، لذلك كان يتم دوما الأخذ بالقواعد والشرائع الإسلامية والأعراف من أجل فضها , ومع تغير التشريعات والتنظيمات الخاصة بتسيير المياه الجوفية للجزائر فإن الوضع الحالي يدعوا لخلق مراسيم جديد ووضع قراءة للتشريع المائي الذي يتماشى مع المنظومة التشريعية لحماية الموارد المائية الجوفية بالجزائر، وهوماسعت دراسة الأستاذين قطبي محمد و حرمة بوفلجة لإبرازه في مداخلاتهما التي تدعوا العديد من الدارسين لضرورة فض المنازعات القانونية والنزاعات التي تقع بين الملاك و أشكال السطو عليها وكذا تسجيل الفقارات ضمن اللوائح العالمية كتراث جزائري حفاظا على الامن القومي بشكل قانوني للجزائر .
وبعيدا عن القوانين الشرعية فقد كان بناء الفقارة بحد ذاته يعتمد على عبقرية عجيبة و إدارة خاصة بها من حيث تكوينها او توزيع المياه بشكل عادل بين الملاك والبساتين وذلك من خلال كيالة الماء وإستخدامهم لآلة الحلافة التي ذكرها الاستاذ سليماني سعيد بأنها اداة لكيل الماء استخدمت محليا في تحديد تدفقات الماء من خلال لوح معدني مستطيل به عدة ثقوب تختلف قيمة سعتها لتوزيع المياه بين الحقول والبساتين وعلى خلاف منطقة قورارة وتوات فتستخدم هذه الآلة بشكلها الدائري في منطقة تديكلت ابرزت الدراسات الإنعكاس الإيجابي لآلة الحلافة في توزيع المياه بين الفلاحين لخلق النظام وفض النزاعات وهوما جعل الدكتور رميني بوعلام من جامعة سعد دحلب بالبليدة يعبر عن إعجابه بعبقرية بناء الفقارة, إذ أوضح بأن تراث الفقارة هو تراث عالمي يتواجد في عدة مناطق من العالم بدأ من حضارة فارس بإيران حتى الحضارة الأمريكية وهي تتواجد في كل قارات العالم ماعدا قارة أستراليا , وقد قدم من خلال هذه المحاضرة عدة معطيات تاريخية عن الفقارة التي يعود بنائها لعصور الحضارة الفارسية وذكرها من خلال كتابات هيرودوت القديمة , وأنها ساهمت بشكل خاص في الحفاظ على الحضارة التواتية في وسط الصحراء الذين كان ولا يزال يشكل الماء جزءا هاما من حياتهم , تمكنوا من استخدام الفقارة لإستخراج المياه الجوفية نحو الواحات وسقي بساتينهم وموشيهم وحتى استخدامها للشرب , رغم صعوبة بنائها في الطبيعة الطينية والرملية للمنطقة .
نظام الفقارة وتحديات مقاومة الإندثار
تتعرض في الوقت الحالي الكثير من الفقارات لخطر الانهيار مما يشكل خطرا على السكان بسبب توسع العمران و الأحياء السكنية بجوارها , ويتم تسطير برامج من الدولة لتوفير الحماية للسكان من خطر الفقارات ويتمثل ذلك في تعديل بنائها أو ردمها أحيانا بالرجوع إلى مالكيها في بداية الأمر أما في المناطق الفلاحية فيتم إستثمار أموال كبيرة من أجل الحفاظ عليها لما تمثله من موروث حضاري هام يخص الفلاحين المحليين إذ تم استثمار ما قيمته مليون و 910 دينار بما قدره 14 ألف دولار خلال سنة 2007-2016 للحفاظ عليها فيما تم إعادة تأهيل العديد من الفقارات خلال 2019 بما قيمته 375 مليون دينار و تلعب الجزائر حاليا دورا أساسيا في الحفاظ على الفقارة إذ كشفت نتائج الإحصائيات لوضعية عدد من الفقارات المتدهورة والناضبة لثلاث ولايات متجاورة ولايات أدرار تيميمون وعين صالح بأن عدد الفقارات الناشطة بأدرارمن أصل 1216 فقارة هو 203 فيما عدد الآبار المتدهورة فيبلغ 173 والناضبة 840 فقارة أما بتيميمون فتحصي 614 بها 12 فقارة نشطة و124 متدهورة و 370ناضبة فقارة وبولاية عين صالح فتم احصاء 7 فقارة نشطة و 7 متدهورة و 46 ناضبة من أصل 64 فقارة .
تشكل عمليات استغلال النفط والغاز بالصحراء خطرا يترصد بحياة الفقارات وذلك مما يسببه من إنخفاض في ضغط التربة و إستخراج متكرر للمياه الجوفية حيث يتم سحب 40 بالمئة من الإمدادات الجوفية للمياه من إجمالي 2.5كيلومتر مكعب وفق إحصائيات مرصد الصحراء والساحل حسبما ذكر الدكتور أحمد حجاج عن تأثير استغلال النفط ومساهمة التكنولوجيا في استثمار في نظام الفقارات , إذ تدعوا الدراسات الحديثة إلى عصرنة طرق الحفر والبناء في الفقارات بشكل علمي أكثر لتفادي حدوث الإنهيارات وتحديد المناطق اللازمة لاستغلالها بشكل امثل , كما ستساهم التكنولوجيا في تحديد مدى عمق المياه واحتساب كمية الضغط , ومن جهة أخرى فيجب على عمليات إستخراج النفط والغاز أن تحترم الشروط والقواعد اللازمة لحماية نظام الفقارات الذي يستغله الإنسان المحلي في معيشته وعدم تعرضها لخطر الإندثار .
تعتبر الأيام الدراسية عن الفقارة مصدرا هاما لتسليط الضوء عليها كتراث محلي مع ضرورة التحدث عن الأوضاع الإجتماعية المتعلقة بها وبالعمال القائمين عليها الذين هم بحاجة لتوفير تدابير سلامة تتوافق مع كل نظم الحماية وتوفير بيئة مناسبة للعمل فضلا عن في فض المنازعات القانونية والنزاعات التي تقع بين الملاك و أشكال السطو عليها , بينما يدعوا العديد من الدارسين لضرورة تسجيلها ضمن اللوائح العالمية كتراث جزائري حفاظا على الأمن القومي للجزائر .