اللعبة القذرة
إستيقظ الجزائريون على نداءات إستغاثة تملأ مواقع التواصل الإجتماعي , إننا نحترق , هكذا كان يصرخ سكان منطقة القبائل و هم يطلبون العون من إخوانهم في باقي ولايات الوطن لتنطلق جموع الشباب من فورها ملبية النداء . لكن الوضع كان أخطر مما كانوا يتصورون , لم يكن الإقدام وحده كافيا لإطفاء نار وصفها البعض بمشهد من مشاهد فيلم هوليودي يتحدث عن نهاية العالم.
و كأن هناك من يصب البنزين فوقها كلّما أوشكت على الخبو , إنطلقت تأكل الأخضر و اليابس و تلتهم إشجارا فاق عمرها مئة سنة و معها تحصد أرواحا وجدت نفسها محاصرة بين أتون نيران مستعرة , أطفال و شباب نساء وشيوخ قضوا في ذلك اليوم .
من أحرق منطقة القبائل ؟ سؤال ملأ المواقع تصاحبه صور مؤلمة بل فظيعة لما آلت إليه منطقة كانت بالأمس القريب تفخر بجمال و سحر مناظرها الطبيعية .
من جعل جبال جرجرة تتوشح السواد ؟
90 ضحية ما بين مدني و عسكري , إتلاف 5000 هكتار من الأشجار المثمرة غالبيتها أشجار الزيتون , فقدان أكثر من 19000 رأس من الحيوانات , مئات المواطنين أضحوا بلا مأوى بعد إحتراق مساكنهم , إنها حصيلة ثقيلة ليوم كان الرماد فيه سيدا , لم يتبق شيء كلمة قالتها عجوز بنبرة إستسلام .

و لأن الأخوّة أفضل من القوة الخارقة, أحدثت الهبّة التضامنية المنقطعة النظير للجزائريين الفارق و كأنّ الشعب يرسل برسالة عاجلة لأخوته في المنطقة مفادها لا تخافوا لستم وحدكم إننا قادمون , رسالة كانت كفيلة ببث روح التفاءل في أوساط المتضررين بعدما نالت منهم النيران لتصل قوافل المساعدات تباعا من 57 ولاية , الجميل أنه لم تتخلف أية ولاية و الأجمل هذا التسابق لمد يد المساعدة .
لكن الذي أحرق منطقة القبائل لغرض في نفس يعقوب أذهلته تلك الصور و أخلطت حساباته , فكان لزاما عليه أن يجد خطة بديلة لإذكاء نار الفتنة التي أرادها أن تحرق كل البلاد هذه المرة فكان جمال بن سماعيل إبن مدينة مليانة القربان الذي إختاره شياطين الإنس لإشعال نار الفتنة بين الجزائريين ليفسدوا لحظة التلاحم الرائعة .
فتنتشر صور الجريمة النكراء التي وثّقها مقترفوها صوتا و صورة على منصات التواصل الإجتماعي و تحدث شرخا كبيرا بين الجزائريين و تتسارع الأحداث بعد ذلك و تنطلق حرب كلامية إلكترونية أشعلتها حسابات وهمية تتقمص تارة ثياب الأمازيغ و تارة أخرى ثياب العرب مهمتها الرئيسية إعادة بعث النار التي نجح في إطفاءها المدني و العسكري حتى يكون العالم شاهد على حرب المواقع بين الجزائريين.
فتنطلق الشائعات و تتعدد كلّها تحمل بين طياتها سم التفرقة و العنصرية ,فمن تلك التي تدعو المتضامنين إلى وقف مساعداتهم و تلك التي تحرض على العنف صراحة و أخرى تنشر أخبارا زائفة مفادها إعتراض شباب المنطقة لقوافل المساعدات و التعدي على المتضامنين بل هناك من ذهب أبعد من ذلك متهما الدولة بإنتهاج سياسة الأرض محروقة في المنطقة لأجل التحكم فيها .
و لأن “العيار الذي لا يصيب يدوش” كما يقول المثل المصري فهناك من إنساق وراء هذه الإشاعات العفنة و أخذ يرددها كالببغاء غير مدرك خطورة أفعاله و تأثيرها على الأمن القومي فيما إنبرى العقلاء لتفنيدها و تكذيبها و الدعوة إلى عدم السقوط في فخ العملاء شعارهم في ذلك الإشاعة يؤلفها الحاقد و ينشرها الأحمق و يصدقها الغبي فحاول أن لا تكون أحد هؤلاء الثلاثة .
لقد أدرك محركوا خيوط هذه اللعبة القذرة أن الأنترنت وسيلة فتاكة لنشر الدعاية و التحريض على الكراهية , كيف لا و أكثر من بليون شخص يستقون منها أخبارهم و يتبادلون عبرها أفكارهم فأشهروا هذا السلاح الرهيب في وجوهنا و رغم تجنّد الكثير من الشرفاء لفضح كذبهم و إفتراءهم و نزع إقنعتهم ليرى العالم وجههم القبيح, لكن الحقد الذي يملأ قلوبهم جعلهم يتفنون في إبتكار خطط كلّها تصبّ لهدف واحد تقسيم الجزائر و إدخالها في دوامة الحرب الأهلية, فهل سيستطيع الجزائريون الإفتكاك من أنيابهم و الخروج من هذه المحنة بسلام ؟
و لأننا نؤمن أن ماجمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان كما قال العلامة بن باديس رحمه الله فإن أملنا في تخطي هذه المحنة بسلام يبقى كبيرا
كتبه: وهيبة بومزال