الِمسرح في أدرار …حكاية يرويها أمل

لقد تعددت تعاريف أبي الفنون  من شخص إلى آخر، وأشهر تعريف له ، هو أن المسرح( يعتبر واحداً من أشكال الفنون المختلفة، ومكاناً للأداء والتمثيل، كما أنّه المكان الّذي يجسّد أو يترجم القصص والنّصوص الأدبيّة أمام المشاهدين وذلك باستخدام مزيج من الكلمات، وبعض الإيماءات بالموسيقى والصّوت على خشبته)، كما يسمى كذلك بالفن الرابع في تصانيف الفنون السبعة التي تبتدأ بفن العمارة، وتنتهي بالسينما، وقد ظهرت بوادر هذا الفن من زمن الإغريق، وبعدها تطور مع مرور السنوات والحُقَب، فالدارس لأحوال الشعوب عبر التاريخ، يجد المسرح حاضرا عندهم سواءً على مستوى الفرد أو الجماعات، حيث يعد نقطة انطلاق الشرارة نحو الثقافة والتطور والمساعد في رقي المجتماعات نحو الأفضل، وإذا كان الشعر ديوان العرب في عهدهم لتأريخه لكل المحطات المهمة في حياتهم، فإن المسرح هو مرآة الشعوب، التي تعكس لنا ثقافتهم وفكرهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ولما لهذا الأخير من متعة وموهبة وفرجة، نجد الشباب يلتفون حوله متيَّمون به، بل نبغوا فيه وأضافوا إليه شيئا من الموهبة والإبداع، وشباب ولاية أدرار على غرار شباب الجزائر المسرحيين أرادوا بدورهم أن يشاركوا في كتابة تاريخ المسرح ولو في منطقة جغرافية صحراوية لا تمتلك مسرحا جهويا يرقي بطموحهم ويحقق له بعضا من الأمل المباح، ومع هذا حاول بعض المثقفين الغيورين على المسرح عندنا إشعال الشموع بدل لعن الظلام، وتجلى ذلك في عديد الجعيات الفنية والدرامية التي أَثْرت الساحة المسرحية بالولاية من خلال أوبيرات والمونوداما والتمثيل، وكذا مشاركات وطنية ودولية شهد بعضها نجاحا وتميزا على مستوى الأفراد والمجموعات، ومن بين هذه الجمعيات الفاعلة في ميدان الفن الرابع، الجمعية الثقافية للفنون الدرامية التي تنشط بدار الثقافة ويترأسها الأستاذ حدادي بطاقم شباني حالم، حيث ما فتأت تسعى لصقل المواهب المسرحية الفتية، والرقي بخشبة المسرح المحلي إلى الإحترافية، من خلال مهرجان النخلة الذهبية الذي ظل صامدا تِسع سنوات بطباعاته الوطنية والمغاربية، حيث كان يُعَدُّ فضاءً فسيحا وبوتقة مضيئة يجتمع فيها ثلة من الأساتذة والدكاترة المختصين في شؤون أبي الفنون، من خلال عقد ملتقى على هامش المهرجان وورشات تكوينية للمشاركين، وبعدها تدعمت الولاية بجمعيات أخرى كان لها نفس النظرة والهدف، ألا وهو نفض الغبار عن بساط المسرح الأدراري، ودعم المبتدئين فيه، وانبرت له جمعية أسود الخشبة للفنون الدرامية بقيادة الشاب المتفاني الأستاذ عبد النور فران ، إذ أنه أراد من خلال المهرجان الولائي للفرجة والضحك في طبعتيه، تسليط الضوء على صقل المواهب المحلية، من خلال ورشات تدريبية وعروض تنافسية أبطالها شباب في مقتبل العمر، يعِدون بمستقبل  متفائل في قادم السنوات، أضف إليها جمعية فرسان الركح من صالت وجالت في عديد الركوح داخل وخارج الوطن، كما كانت لها مشاركات مشرفة في عديد ولايات الجزائر، كذلك جمعية الفنون الدرامية، وغيرها من الجمعيات المسرحيات الناشطة على مستوى تراب الولاية بأقاليمها الأربع التي تبشر بفجر مبتسم، أما على مستوى الأشخاص الذي حملوا همّ المسرح، وشقوا طريقهم بعاصمتيهم وعزم لا يلين وذهبوا به إلى العالمية، أمثال الفنان (عقباوي الشيخ)، سفير أدرار في عالم المسرح، إذ شارك في دولة الصين وأرمينيا والمغرب والسودان وغيرهم من الدول العربية   والأروبية، ورفع راية الجزائر عاليا على الخشبات، حيث تحصل هذا الأخير على أحسن نص في المغرب بمنطقة الحسيمة بعنوان (الجدار) وأحسن اخراج بالسودان _الخرطوم_ كما تحصل مؤخرا على أحسن عرض في مهرجان المسرح الأمازيغي بباتنة، هذا مع العديد التتويجات والتشجيعات من لدن جمع غفير من رواد المسرح المتضلعين، ولم يكن عقباوي الشيخ وحيدا في ميدان الثناء المسرحي، بل برز للساحة شاب يجري فيه عروقه عشق المسرح والنبوغ فيه، إبن 31 سنة (شادي العيد) الممثل والكاتب المسرحي، إكسير من الإقدام المتدفق الآمل، والمشاهد لفعاليات المسرح في أدرار، لايمكن أن يغض النظر عن براعة هذا الشاب في تقمص الأدوار والانتقال فيما بينها بسلاسة ومهارة وتركيز دقيق، تجلى هذا بتحقيقه عديد المراتب المشرفة في مشاركاته الجزائرية والعربية، سيما الألقاب الفردية، فهو الحائز على أفضل أداء رجالي لمسرحية صهد بالايام الوطنية لمسرح الواحات بورقلة ، وبالمهرجان العربي للفنون الدرامية بهوارة بأقادير بالمغرب، وجائزة احسن نص مسرحي (على الهامش ) في المهرجان الدولي للمسرح نون والفنون بنفس البلد، ناهيك عند عديد المشاركات الوطنية بسكيكدة وميلة والعاصمة والمسيلة …الخ، وعديد الأسماء الشابة الواعدة إالى جانبه، تبشر بالخير في دنيا المسرح عندنا على غرار، ( كوكي شعيب، راواحي عبد القادر، خيراني عبد القادر، عبد النور…الخ) وغيرهم كثير ممن لا يتسع هذا المقال لذكرهم، ولم يكن المسرح حكرا على الرجال فقط، بل وصلت عدوى التميز فيه إلى الفتيات عندنا بل وأظهروا قدرات باهرة، رُفعت لها القبعة سيما وأننا في منطقة محافظة جدا، ترى بروز الفتاة على مسرح شيئا من المحظور، ومن أمثالهن  الممثلة ( ميموني سهيلة) التي انتزعت ذات مساء بولاية مستغانم جائزة أحسن أداء نسائي في مهرجان الهواة في طبعته 50 بشهادة  القاصي والداني، ونجد أيضا (سرقمة مبروكة) ممثلة تستحق كل التقدير، والأيام القادمة كافية للكشف عن معدنها وموهبتها المستمرة في النمو والعطاء، والحديث عن المسرح النسائي في أدرار لا يمكن أن يمر بغير ذكر أوائلهن مما صعدنا الركح في الزمن مبكر أمثال السيدة (فاطمة هواري) وغيرها ممن غيبهن الزمن والإعلام.

 

كما أنا الدارس لكرونولوجيا المسرح في الولاية سيمر بنخبة من  ممثلين الفاعلين، من خدموا المسرح  وقدموا له الكثير  في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وربما كانوا انطلاقة لما تشهده الساحة المسرحية من صحوة في الأونة الأخيرة، نذكر منهم مثالا لاحصرا،  الأستاذ عز الدين قسوم ، نور الدين بولغيتي، عبد الله زجناوي، جعفر بوزان، والكاتب المسرحي حنين لحسن_رحمه الله_، ومازال عطاء الأحياء منهم متواصلا، توجيها وخبرة وتجربة. ومع هذه الثورة الفنية المسرحية الشبانية، من جمعيات متحمسة تنافح عن معشوقها الأول، تظل الأبواب موصدة في وجوههم، بغياب الدعم والتمويل والاهتمام من طرف السلطات المحلية، وربما حتى على مستوى وزارة الثقافة في الجزائر المعجزات والغرائب، حيث تقام أيام مسرح الجنوب بالعاصمة، أيام تحمل اسم الجنوب وتقام فعالياتها في الشمال، أعتقد  أن هذا الأمر لايحدث إلا في مملكة السويد _المزعومة_ الفاضلة، على حد قول أحد الساسة في البلد، أضافة إلى غياب مهرجان مسرحي قارٍّ سنوي مكفول من طرف الوزارة الوصية، وكذا عدم تواجد مسرح جهوي يكون حاضنا لصفوة من الممثلين الشباب، حيث أن أقرب مسرح جهوي يبعد عن أدرار قرابة  1200 كلم، هذا بغياب توفير النقل للمشاركين في الاستحققات الوطنية، وربما يتحصلون عليه بشق الأنفس، ناهيك عن التهميش الإعلامي المكرّس بقصد أو بغير قصد مقارنة بالشمال، أضف إليها غياب تخصص المسرح في جامعة أدرار.

 واقع متأزم يصطدم به كل  طامح هاوٍ لأبي فنون، تغيب الحلول حقا، لكن شباب المسرح عندنا لديهم من الرغبة والقوة ما يستطيعون  به قلب الموازين وترجيح الكفة لصالحهم، ببذل جهد مضاعف وتكتل فيما بين الفرق المسرحية، ونبذ الخلفيات والمحسوبية والنظرة الدونية فيما بينها، والمضي قدما وعدم الرجوع إلى الخلف، لأن الضربة التي لاتقصم دهرك تقويك، وقبل أيام أحتفل العالم كله باليوم العالمي للمسرح  الموافق لــ 27 مارس من كل عام، بقراءة رسالة المسرح العالمية على أسماع منابر المعمورة، وكان ختامها (…نحن باقون هنا.)، دلالة على الثقافة البقاء وأمل الصمود إلى النهاية، والمسرح في أدرار يعقد آماله عليكم فكونوا له خير معين، فأنتم باقون هنــــــــــــــــــــا.

بقلم مبروكي محمد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.