تيمياوين تكسر رتابة الصحراء بطبيعتها المتنوعة
تلمع في قلب الصحراء النابض جنوب برج باجي مختار ب150كلم منطقة تيمياوين التي تتغنى بجبالها وتضاريسها المتناثرة المفعمة بالحياة بينما تقطع أوديتها أخاديد بين الجبال وهي تروي أساطير عن التاريخ القديم الذي تشهد عليها رسوم التيفيناغ منتظرة من يكتشف كنوزها الجمالية السرية من رواد السياحة الشغوفين من قاطنيها الذين يحاولون رسم معالمها في عيون الزوار و إسماعهم نغماتها التارقية بلسان سكانها.
تواصلنا مع إحدى الجمعيات بالمنطقة المهتمة بالشأن السياحي و ذكر لنا أحد أعضائها المدعو شوهاد عبد الرزاق بأن منطقة تيمياوين تتميز بالتنوع في تضاريسها و يحافظ سكانها على تقاليدهم بلبس البزان وهو اللباس الخاص بسكانها القاطنين بإقليم آضاغ , يسعى السيد شوهاد وهو أيضا مستشار النشاطات الثقافية والرياضية ببلدية تيمياوين لجانب عدد من رفاقه الشباب للتعريف بالمناطق السياحية من خلال جمعية تيجم لتطوير وترقية السياحة التي أقتبس اسمها تيمنا بأحد الأودية الساحرة بتيمياوين والذي يعرف بمروره على عدة جبال تحتوي صخورها على كتابات التيفيناغ التي ترجع للعصور التاريخية القديمة , مثل إسم منطقة تيمياوين مادة هامة في الفن التارقي الذي سجله الشعراء في كلماتهم كفرقة تيناريوين في أغنية تامدرويت تامياوت , كما كان لها وزن في شعر الفنان جرا والمعروف بعندليب فرقة تيركفت في قصيدة إيوتيان ويد نزاغ تامياوت فكلمة تمات وجمعه تيمياوين يعودمعناه لشجرة السيال الصحراوية و المعروفة بالعربية بالسنط أو الطلح وهي شجرة تنبت في ضواحي الوديان و تتكيف بشكل كبير مع البيئة الصحراوية .
إن إختلاف المناظر الطبيعية في تيمياوين شهادة على التنوع الجغرافي للصحراء من خلال جبالها التي تحمل أسماء تارقية أصلية كجبال آيلوم و مازجان و تشول و آضوا و كذلك جبل إيبرزق , كما تساهم الأودية التي تتخللها أغطية نباتية صحراوية تكسر رتابة الصحراء كواد إقدم ووجودن و تيمزاينين وإهباب و آغرغار , توفر هذه الأودية فرصة لتخلق تنفس الطبيعة الخضراء وسط الجو الصحراوي الذي ينتعش مع نزول الأمطار تحت أجواء الخريف الذي تظهرمعالمه مبكرا في منتصف الصيف في غالب الأحيان , لتمد الأشجار النادرة والنباتات المحيطة بها بعبق الحياة , حيث تمثل هذه الأشجار والنباتات علاقة كبيرة مع السكان و المرتحلين لتمدهم بالظل والإستجمام في ساعات القيط الحارة ,والتي قدموا لها أسماء باللسان التارقي كأشجار الهجليج و تبوراق و تورشا و تمات و أجارو تيشق فضلاعن النباتات والحشائش التي تمثلا جزأء هاما من الحاجات اليومية للغذاء والعلاج مثل آقرقر
وهي نبتة شهيرة تعرف بإسمها العربي المشتق من اليمن و الحجاز بإسم سنامكي له أوراق مركبة ريشية الشكل ,وتحمل أزهار صفراء أوبرتقالية ترتبط ببعضها بشكل عنقودي , كما تنتج ثمار قرنية بنية اللون تشبه الفاصوليا لها بذور في داخلها , و قد عرف عن إستخدامها الطبي في علاج الإمساك كما تعرف بإسمها الطبيCassia angustifolia و تستعمل في صناعة العلاجات والأدوية التي تنقي الدم و تفتك بالفيروسات و الفطريات , وتعرف أيضا بنمو نبات الجرجير الشهير والذي يسمى محليا بأهلوات والذي يعد من أشهر الخضروات الورقية الغنية بالمعادن و الفيتامينات الحديد والكالسيوم ومضادات الأكسدة و يستخدم طبيا في صناعات علاجات الوقاية من السرطان و السكري وغيرها من الأمراض المتعلقة بصحة العظام والعيون والجهاز المناعي .
لقد تعايش سكان تيمياوين مع أسلوب حياتهم التي تعتمد على الترحال بشكل كبير في إقليم آضاغ , حيث تعكس ملابسهم مدى حفاظهم على موروثهم الذي يتميز بأقمشة البازان والشاش ذا اللون النيلي الأزرق كما لا يتخلون على العمائم التي تزين رؤسهم وتحميهم من ظروف الصحراء القاسية و ترسم فخرهم بهويتهم الثقافية الترقية , كما يأوي جزء كبير من سكانها نحو الخيام الجلدية الحمراء التي تدعى بإهكيت التي تمثل أفضل الملجأ الوحيد أثناء الحل والترحال وتمثل ملاذا للتجمعات و الاحتفالات المحلية , عاكسة الموروث الثقافي من خلال التحف التقليدية والاواني التي تفوح منها روائح الجلود والطين الأصلية و تسجل إبداع وحرفية شعب تيمياوين
التغيرات المناخية منعكس خطير على المعالم السياحية
يعتبر دخول المجال السياحي بمنطقة تيمياوين معتركا صعبا من حيث ضرورة التنقل لقلب ولاية أدرار من أجل تسوية وضعيات الوكالات السياحية والجمعيات , لهذا يعمل لهذا أعضاء جمعية تيجم على التعريف بالمناطق السياحية لتيمياوين وتوثيقها من خلال نشر الفيديوهات والصور عبر صفحة الجمعية الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وإبراز التنوع الطبيعي والتاريخي لها
, كما يقدمون خدمات تنظيم الرحلات السياحية , إضافة لذلك يساهمون في الحفاظ على معالم تيمياوين السياحية التي قد تتعرض للتخريب من طرف المتطفلين أو قد تتعرض لخطر الإندثار بسبب العوامل الطبيعية كالفيضانات والسيول والتي أصبحت متعلقة بشكل مباشر مع التغيرات المناخية التي يعرفها العالم اليوم و ما نتج عنها من إرتفاع درجة الحرار و تدمير الغطاء النباتي مما شكل تغيرا في حركة التيارات الهوائية و الرياح , التي من شأنها إخفاء المعالم الأثرية و نحت الصخور الجبلية التي تحوي رسومات التيفيناغ من العصور القديمة لظهور فجر البشرية .
تمتلك منطقة تيمياوين مقومات طبيعية وتضاريس مختلفة من جبال و آثار التفيناغ المنحوتة على الجبال من شأنها جلب أنظار السياح واهتماماتهم في معرفة ما تخبئه من تاريخ وآثار. لكنها تتعرض للإتلاف بسبب و التغيرات المناخية كالفيضانات التي قد تؤثر سلبا على المعالم وبالخصوص المعالم الواقعة بجانب سفوح الوديان و كذلك العوامل البشرية المتمثلة في عدم إحترام لبعض السياح للمعالم الأثرية من خلال تشويههم للكتابة على الجدران وتخريب الكتابات الآثرية , وهذا ما تسعى جمعية تيجم للتوعية عنه من خلال تحضيرها نشاطات التوعية كما تساهم حظيرة الأهقار بشكل كبير على حماية الآثار من التخريب ,كما يجب توفير تسهيلات إدارية ومادية للجمعيات الفئات المساهمة في نشر الثقافة والحفاظ على الموروث نظرا لبعد المنطقة و شساعة مساحتها .
كتبه : رافعي محمد محي الدين