حب من مستودع الحنين والذكريات

بقلم: جمال معطاالله 

ليس مطلوبا منك أن تفهم ما هو مكتوب بين مزدوجين فذلك يحتاج إلى أن تكون من

فصيل ما قبل ظهور الإسمنت، أقصد أيام الطوب والتراب والطين ولا شيء غير ذلك .

” كَان عندنا التبرْكيشْ قَسَّمْنا لَقْسَارَة وقَضِّينا لَلْجَنّة لْقِينَا بَلْحَاتْ لَمِّينَاهُمْ وقْطَعْنَا شْوِي الزِّيوَانْولْفدَامْوَقَرْطَاوَنْ بَاشْ نَقْدُو النَّارْ لَلْبربارَة ، رَحْنَا من الجنة عَيَّانِينْ وقَدْ اللِّي وصلنا قلت لْحَنَّاتِي رَانِي عَطْشَانْ عَمْرِي لْكَارْبالما إِيلاَبُوخْنَاقُو ، قَرْبَعْتْ الطَّاسْ كَامَلْ ، تْلَفْتَتْ لِيَا حَنَّاتِي وْقَالَتْ لِيَا : أَدَاكِيفْ يَا لَخْطِيَّة تْقَضْ للجنّة حَفْيَانْ ………”

ملاحظة: قلة قليلة من يفهمون هذا الكلام، لأنه تعبير كتابي بلسان تواتي….

اشتقت لسماع ذلك فرددته مع نفسي …وسأردده كلما شدَّني الحنين لذلك ….رحمك الله يا جدتيالعزيزة …افتقدتك صغيرا ، لكنني لا زلت أتذكر صورك ، حَمْلك إيايَ على رأسك ، غَضَبَك المغلف بلمسة دفء وحنان ، دفاعك المستميت عني حتى وأنا ظالم ، وقوفك سدا منيعا والحيلولة دون لمس شعرة مني حتى لو كان والداي الكريمان حفظهما الله ، صورتكِ وأنت على الفراش تئنين تحت وطأة المرض لم تهزني أبدا فلست أدرك ماهية المرض ولا الألم ، صورة الناس يجتمعون حولك ويزورونك اعتقدت أنهم يحسدونني عليك ويشاركونني فيك ، نظرت إليك مبتسما في إشارة مفعمة بالاشتياق لدلعك الذي عهدته منكِ ، غير دَارٍ أنك ماضية بلا رجعة ، أتذكر حتى ذلك اللباس الذي كنت ألبسه حينها ، كان في منتهى الاتساخ بعد عودتي من ألعاب البهلوان الصبيانية ، كنت ألجأ إليك مختبئا في حضنك هاربا من غضب والدتي ، وربما نجوت مؤقتا لانشغال الجميع بمرضك ، إلى أن تفاجئْتُ يوما بعدم وجودك في المكان المعتاد في ركن البيتِ ، الناس موجودون وعدد الزائرين تزايد ولكنهم مجتمعون حول ” اللاشيء”، سمعت بعضهم يتمتم والبعضَ الآخرَ يبكي ، فبكيت ليس لأنني علمْت بموتكِ ، فمن كان في مثل سني فكرة الموت لديه مستحيلةٌ ، بكيت تَأَسِّيا واقتداء بمن حولي ، أما غيابك فأدرجته ضمن سلسلة ” إلى اللقاء ” بعد حين،وتَأَوَّلت كل التأويلات والافتراضات محاولا إقناع نفسي أنك في نزهة بسيطة أو ” زيارة “….ثم استدركتُ أنك لم تكوني لتفعلي ذلك ما لم تَصْطَحبيني في يدك أو محمولا فوق رأسك… ظلت الأسئلة تراودني، ما الذي تغير اليوم لتخرجي من دوني ؟ مع إيماني التام أنك لم تكوني لتغضبيمني…وعلى براءة طفل صغير آثرتُ الانتظار كما لم أنتظر يوما…وحينما طال انتظار اللقاء ، وأمدنا الله عمرا في دار الفناء،آمنت وأدركت بأن جدتي عند من بيده الدوام والبقاء ، فأغرقتها بدعوات الرحمة والغفران ، واستغفرت الله العظيم المنان من اعتقادي يوما باستحالة موت الأحباب والخِلاَّن ، غير أنني تذكرت أن القلم مرفوع عن الأطفال والصبيان.

3 تعليقات
  1. abderrahim يقول

    رحم الله الجدة الكريمة واسكنها فسيح جنانه
    واحسن الله عزائنا في ماكان من ماضي الزمان من جمع للشمل والبسمة البريئة النقية الغير مصطنعة واحاجي الجدات وضيق الأزقة في التجمعات السكنية “القصر”
    نعم اين هي الدار الكبيرة التي كانت تجمع كل افراد العائلة الواحدة علي قصعة عيش اوقصعة “الغريم ” او “الخدار “او “التغنجة” لقد عزفت علي وتر حساس يا حبيبي رعاك الله وحفظك

  2. Anonymous يقول

    مقال مؤثر جدا. سلمت و سلمت يدك أستاذ. محاكاة الواقع لزمن جميل. ربي يرحم جميع الموتى من المسلمين و المسلمات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.

  3. جمال يقول

    الزمن الجميل لم يبح بكامل أسراره وأحسب أنني قمت بفعل الاستفزاز لمشاعر من عاشوا تلك الحقبة أو عايشوا بعض فصولها ، فالشكر موصول لمن ذكرنا ببعض المفردات التواتية التي لو جمعناها لأمكننا تأليف قاموس اصطلاحي خاص بها من قبيل ” الخدار ، التغنجة …خالص تحياتي ومودتي لمن كان لكلماتنا قارئا ومعلقا أو منتقدا وموجها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.