حماية النساء من العنف دعوة عالمية في ظل تنوع الثقافات الإجتماعية والدينية

يعيش العالم فعاليات كأس العالم في نسخة عام 2022 حيث تجتمع شعوب مختلفة بثقافات متعددة بالملاعب القطرية لتشجيع منتخباتها برايات متنوعة تعبر عن ثقافاتهم و القضايا الإنسانية ورغم  الإعتقاد السائد بأن كرة القدم خاصة بالرجال إلا أن لوحات المشجعين عبرت عن دفاعها على حقوق النساء بسبب أحداث العنف التي عاشها العالم من أشكال الجرائم المرتكبة بحق النساء , كما تصادفت  فعاليات هذا العام مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بدءا من الخامس والعشرين من نوفمبر والذي سيستمر لأسبوعين بشعار “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة”.

كأس العالم سبيل الإيرانيات لإيصال صوتهن  

مشجعة إيرانية في مباراة كأس العالم قطر بين منتخب إيران و ومنتخب ويلز

تفاجأ العالم بتضامن فريق كرة القدم الإيرانية مع شعبه الذي يواصل في احتجاجه ضد نظام الحكم وذلك برفضهم أداء النشيد الوطني أثناء مباراتهم ضد الفريق الإنجليزي بقطر ,حيث رفع المشجعون عبارات وشعارات تدعوا للتضامن مع “حقوق النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي والإعتقال بعد ظهورهن في الاحتجاجات وعدم التزامهن بفرض ارتداء الحجاب الإلزامي الذي يتم اعتماده منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 وقد أعلن مدافع المنتخب الإيراني إحسان حاجي صفي تضامنه مع ضحايا العائلات الذين فقدوا أولادهم في المظاهرات المناهضة للحكومة بقوله  : “ينبغي أن يعرفوا أننا معهم , نحن نساندهم ونتعاطف معهم” خلال المؤتمر الصحفي الذي عقب نهاية المباراة التي إنتهت بخسارة المنتخب الإيراني مقابل نظيره الإنجليزي وقد إستمر الإيرانييون في دعم حقوق النساء الإيرانية لمباريات منتخبهم في بداية الجولة الثانية للدور الاول لكأس العالم قطر 2022التي إنتهت بفوز منتخبهم ضد منتخب ويلز بهدفين مقابل صفر .

حيث يشهد العالم قيام ثورة الشعب الإيراني ضد النظام الاجتماعي السائد وذلك بعدما أثارت الجدل أحداث مقتل مهسا اميني والمعروفة باسمها الكردي جينا أميني في 16 سبتمبر حسبما أدلت به وكالة الانباء الفارسية , وقد وقعت أحداث مقتلها بعدما ضبطتها شرطة الأخلاق في شوارع طهران وهي تسير رفقة أخيها كيارش أميني بالقرب من محطة ميترو الطريق السريع الشهيد حقاني , حسب أقوال اخيها فقد تم ضبطها بصفة عدم إلتزامها باللباس المناسب المتمثل في ظهور شعرها وعدم انتظام شكل غطاء الراس الخاص بها , ليبلغ فيما بعدعن وفاتها التي اثارة شكوك العائلة , التي ذكرت عن تعرض ابنتهم للضرب المبرح وهوالذي تسبب بمقتلها بعمر 22 سنة فيما أوضحت تقارير مسربة فيما بعد عن إصابة مهسا اميني بكسور في عظامها و آثار لتحطم جمجمتها , لتقوم مظاهرات منددة ضد قواعد اللباس بإيران وفرض الحجاب الإلزامي حيث قامت العديد من المشاركات في المظاهرات بنزع الحجاب في جنازة مهسا اميني وتناقلت الناشطات صورا لهن وهن يقطعن شعرهن في فيديوهات تم تداولها عبر وسائط التواصل الاجتماعي بشعار ” ﮊن ,ﮊيان,ئازادى ” والذي يعني “إمراءة , حياة ,حرية “, يعتبر الإلتزام بالزي الرسمي للنساء في الكثير من الدول الإسلامية كقانون محتم حيث تفرض ايران عقوبات بالسجن تتراوح من يومين الى عشر أيام وغرامات تصل حتى لخمسة الاف ريال إيراني حسب القانون 638 من قانون العقوبات , وقد تم اتهام شرطة الاخلاق بممارسة العنف الجسدي ضد المتظاهرات بينما تدعي السلطات بان المناوشات قد تكون مفتعلة من طرف الدول المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية.

تعتمد الكثير من الدول فرض قواعد تلزم النساء على ارتداء ملابس حسب ما يتوافق مع العادات والتقاليد في المجتمع ,  بينما يمثل العنف المنزلي هاجسا كبيرا للكثير من النساء اللواتي يمتنعن في كثير من الأحوال من الإدلاء بالشكاوى ضد المعتدين ,بينما تجبر الكثير منهن على الصمت في القضايا التي تتمثل في الاعتداء الجنسي والذي قد يشكل عار اجتماعي لدى الأسر المحافظة التي قد تتسبب بنفي المرأة المتضررة أو إلزامها بالزواج من المعتدي بينما تقع الكثير منهن في دائرة ضحايا قضايا الشرف حيث يتم قتلهن من طرف أبناء الأسرة بحجة غسل العار ,إذ تعتبر العديد من الدول أن قضايا الشرف كأمر مشروع يحمي القاتل من عقوبات السجن والإعدام ,تعتبر لحد الآن قضايا الإعتداء الجسدي والجنسي كقضايا لا يتم تطبيق عقوباتها كما يجب في حق المعتدين .

وسائل التواصل الإجتماعي تعبر عن وعي العرب بما يخص العنف ضد النساء

المذيعة المصرية شيماء جمال

 أثيرت الكثير من قضايا  العنف ضد المراءة هذه  السنة 2022 التي أصبحت من قضايا الرأي العام في العالم العربي و العالمي مثل قتل الطالبة أنيرة أشرف بمصر من طرف زميل بالجامعة المدعو محمد عادل رفضت الإرتباط به فقام بطعنها بالسكين أمام اسوار الجامعة بالمنصورة التي تبعد 130 كلم عن القاهرة , أثارت القضية حفيظة الرأي العام الذي طالب بالإعدام للقاتل الذي إعترف بإرتكابه الجريمة عن قصد ومع سبق الإصرار وذلك خلال شهر جوان الماضي , ولم تتوقف تلك الجرائم من هذا النوع بل وقعت جريمة أخرى مشابهة بعاصمة الأردن بعدما قتلت الطالبة إيمان أرشيد بطلق ناري من طرف شاب ثلاثيني عدي خالد عبد الحسين رفضت الزواج منه حسب أقوال والدها الذي تعرف على القاتل بعدما أودى بحياته بطلق ناري بسبب  حصاره من طرف رجال الأمن بساعات على وقوع الجريمة بمنطقة بلعما بمحافظة المفرق التي تبعد 40 كيلومتر عن مكان وقوع الجريمة , و في نفس الشهر تلقت مصر خبر إختفاء المذيعة المصرية شيماء جمال التي عثر على جثتها مشوهة في مزرعة بمنطقة الجيزة بعدما قتلها زوجها المستشار المدعو أيمن الحجاج, حيث كشف شريكه حسين الغرباوي عن مكان الجثة وتفاصيل الجريمة بإدعائه أنه كان مجبرا على الجريمة من طرف زوجها  ,حيث حكمة عليهما المحكمة المصرية بالإعدام في الحادي عشر من سبتمبر, وقد شهدت الجزائر وقائع جناية حرق متعمد لمعلمة فرنسية تدعى ريم عنان تقطن بتيزي وزو ,حيث سكب عليها الجاني البنزين وقام بإحراقها والذي تم التعرف عليه بصفته جارها الذي رفضت الإرتبط به من سنتين تقريبا , أثار هذا النوع من الجرائم إنتباه رواد التواصل الاجتماعي المتمثل في القتل المتعمد للنساء بسبب رفضهن الإرتباط ,وحسب تقارير من الأمم المتحدة فإن معظم الجرائم قد تكون مسبوقة بعد وصول تهديدات غير مباشرة اوغير مباشرة من طرف الجناة , وهو مايلزم إخطار السلطات عن الأمر و الأخذ بجدية التعاطي مع هذا النوع من التهديدات قبل وقوع الجرائم والإعتداءات .

العنف ضد النساء في الغرب 

قد تعيش أوروبا وأميركا حالات مختلفة في تعاملها مع العنف ضد المراءة فبالرغم من اتاحة القوانين الأوروبية والأميركية كل السبل لحماية النساء الا ان ظواهر تعرض المراءة للعنف لاتزال متواصلة ,  فيحصى تعرض سيدة من ثلاثة نساء للعنف الجسدي والمنزلي من طرف ازواجهم او شركائهم حيث ترفض الكثير من النساء على الإدلاء بالشكاوي خوفا من إنتقام الشركاء أو التعرض للقتل بينما عبر بعض الخبراء بأن رفض بعض النساء للإدلاء على تعرضهن للعنف قد يكون مرتبطا بأمراض نفسية تجعل الضحية على إرتباط  عاطفي مع معنفها يمنعها من تقديم الشكاوي ,بينما تتعرض بعضهن للابتزازاذا كن مهاجرات غير شرعيات وذلك بمصادرة جوازات سفرهن او التهديد بترحيلهم لبلدانهم الاصلية ,بينما تعمل الكثير من القوانين على فرض التزامات تمنع النساء من حق التحكم في نوعية اللباس و الجسد,فقد فرضت اميركا هذه السنة قوانين تمنع النساء من حق الإجهاض و فيما تتعرض الكثيرات للإساءت اللفظية والتحرش بأماكن العمل ,حيث تعرضن للتحرش او الاغتصاب او يعرفن سيدة وقعت لها نفس الواقعة ,بينما تتعرض النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب من المنع من الدخول لأماكن العمل بفرنسا و الالتزام بلباس رسمي بما لا يتوافق مع ديانتهن ,بينما يتم فرض التمييز القسري ضد النساء من الأعراق الأجنبية واللاجئات و الخاضعات للعبور الجندري , فيما تصرح العديد من العاملات على دنو أجورهن مقارنة بالاجور التي يتحصل عليها الرجال ,بينما تحول قبولهن في مقابلات العمل يعتمد على مستوى الجمال أوتقديم التنازلات لإرضاء أصحاب العمل , و يشكل الإبتزاز و  المتاجرة بالنساء من اكثر القضايا المنتشرة فيما يخص المتاجرة باللاجئات والمهاجرات وبيعهن لعصابات بيع الأعضاء والمتاجرة بالقصر , حيث ظهرت قضايا تتعلق بإجبار الفتيات على ممارسة الدعارة بمراكز الايواء الخاصة بالقاصريين بفرنسا بطريقة سرية ويتم معاقبة الفتيات اللواتي يبلغن على تعرضهن للأذى , بينما ترفع عدة شكاوى من نساء يتعرضن للإبتزاز بنشر صورهن الخاصة أو بيعها عبر مواقع التواصل الإجتماعي  وهو ما تم تصنيفه تحت نوع العنف الرقمي والمتمثل في الابتزاز بالصور الخاصة او النشر أسرار ومعلومات عن الأشخاص إضافة إلى التنمر أو وصف النساء بكلمات بذيئة على حساباتهن الخاصة أو المجاهرة بها في وسائل الإعلام ورغم تطور القوانين والبنود التي تحمي حقوق المراءة في أوروبا إلى أن الدعوات لتحقيق الحماية الشاملة للنساء لاتزال بحاجة لخطوات كبيرة تشمل عدة أصعدة .

 أطلقت الأمم المتحدة مبادرة “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة” منذ سنة 2008 والذي يدوم لستة عشر يوما من25 نوفمبر حتى العاشر من ديسمبر والذي يتوافق مع العيد العالمي لحقوق الإنسان حيث تدعوا الإنهاء اشكال العنف ومعاقبة المعنفين فضلا عن تقديم تعويضات للمتضررات  , و قد يختلف التعامل في مواجهة العنف ضد النساء حسب الثقافات الاجتماعية السائدة والأوضاع الاجتماعية وحتى السياسية للدول وهوما ما يقف عائقا في تقديم إحصائات دقيقة تشمل مدى تعرض النساء للعنف ونوع العنف المنتشر في كل منطقة , حيث  تعجز الكثير من الدول عن تقديم إحصاءات دقيقة لقلة المعلومات المقدمة والتي قد تكتفي بالاحصاء المقدمة على مستوى محاكم الاسرة والشبكات الأمنية التي  تبلغ عن حجم الإنتهاكات  الجسدية والأسرية , كما تسعى الأمم المتحدة لجعل مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة هامة لنشر هذه القيم الإنسانية المتمثلة في نبذ العنف والتوعية للضحاية لتوفير الامن لهم وسهولة التواصل معهن وذلك بإتخاذ شعارات مثل استخدام اللون البرتقالي إذ يسعى المجتمع العالمي للتصدي لها , حيث تحصي الأمم المتحدة تعرض736  مليون إمراءة للعنف الجسدي والجنسي إذ تصدر بنود و مواثيق تسعى لحماية حقوق النساء من كل أنواع العنف منذ تأسيس جمعية الأمم المتحدة سنة 1945 وذلك بتأسيس منظمة اليونيسف  في الدورة الأولى لجمعية الأمم المتحدة سنة 1946 ولحد الآن تسعى هذه الجهود  نحو مواجهة اشكال العنف ضد النساء والتي تتمثل في العنف المنزلي والنفسي و الجنسي و الرقمي , فكثير من الحالات الصادرة من  التقارير الأمنية تثبت بأنه وعلى  الرغم  من رفع  حجم العقوبات ضد المتسببين بالضرر للمراءة إلا أن الكثير من النساء يتجنبن التوجه نحو السلطات القانونية لرفع الشكاوى ضد المعتدين عليهم والذي يعود لتعرضهم للتهديد من طرف الشركاء أو العائلة وكذلك التخوف من العار و الحرمان من الأولاد من طرف الزوج  او الانتقام , حيث يحصى تعرض 81 ألف إمراءة للقتل يمثل 47 ألف منهم ضحايا تم قتلهم على يد أحد شركائهم او أحد افراد الأسرة .

يبقى العنف ضد المرأة أمرا سائدا حتى وقتنا الحالي وقد تختلف انماطه من منطقة لأخرى بما يتواكب مع الفكر الثقافي و الإجتماعي و الديني لكل منطقة , فرغم تنفيذ القوانين وتطبيقها ضد الجناة والمجرمين إلى ان الإقبال على تقديم الشكاوي و التصريح بها للسلطات والذي يظل مرتبطا في كثير من المرات من الخوف من الفضيحة او إنتقام المعنفيين وقد يصل أحيان لأسباب متعلقة بالضحايا تجعلهن يتعلقن بمعنفهن ويرضيين بهذه المعاملات , وصلت حدود العنف المطبق ضد النساء لدرجة القتل العمدي بسبب الرفض بالإرتباط والزواج و عدم القبول بالعنف الاسري المطبق عليهن , ورغم سعي العديد من الدول على تطبيق قوانين لحماية المرأة إلا ان الكثير من الدول لا تزال متشبثة بالقوانين التي تفرض السيطرة على النساء بالأحكام الردعية والقوانين الدينية , ورغم ذلك فقد مثلت تفاعلات الجمهور مع قضايا المراءة على الوعي العالمي و العربي الذين صرحوا برفضهم لكل مظاهر العنف بإختلاف اشكالهم الجندرية وتناقلت صفحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن نشاطات وتفاعلات التي يقومون بها في سبيل مساعدة العالم لتحقيق بيئة آمنة للمرأة في العالم.

كتبه : رافعي محمد محي الدين

تعليق 1
  1. محمد يقول

    مقال رائع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.