شهر التراث : قرية ثقافية جمعت مختلف الثقافات لحاضرة أدرار في مكان واحد بدار الثقافة
السفوف والكسكس ميزة مطابخ توات في إستقبال ضيوفها , و أشجار النخيل تمثل مصدر الحرف تجعلها الأم التي تقدم كل شيء من أجل أنامل تكتب وتنسج
يحتفي العالم بشهر التراث العالمي من 18 أبريل إلى غاية 18 من شهر ماي حيث تعرض الشعوب ثقافاتها موروثها الحضاري المتوارث أبا عن جد منذ عصور ,وهو ما يمثل فرصة للتعرف على أسلوب حياة الإنسان في الماضي و التراث و الموروث الثقافي ، فرصة كهذه تجسدت في ولاية أدرار على شكل قرية تراثية أشرفت عليها جمعية ميراث الأجداد خلال فعاليات إختتام شهر التراث بدار الثقافة الشيباني. تسعى هذه الجمعية للتعريف بالتراث الثقافي لولاية أدرار عبر أقاليم توات و قورارة و تيديكلت فحسب تصريح مديرة الجمعية عائشة بلبالي فإن الجمعية قد شاركت في عدة نشاطات ثقافية منذ حصولها على التصريح الرسمي سنة 2022 و هدفهم هو المحافظة على الموروث الثقافي للولاية وحتى الولايات المجاورة ، خصوصا مع المساعي الجادة للحفاظ على التراث الجزائري الذي أصبح يتعرض للاستيلاء من أطرف مجاورة تحاول إنسابه إليها , إذ صرحت السلطات الولائية على السعي لتوثيق التراث الجزائري في اليونسكو حيث يتم العمل حاليا على دعم ملف يخص قصائد الطبل الشلالي والذي يعتبر من الموروثات الثقافية بولاية أدرار ..
السفوف في تدارة عادة راسخة في إستقبال الضيوف في حواضر الجنوب الغربي
تتنوع طبوع الطبخ التقليدي في الجزائر بتنوع ربوعها الجغرافية ، حيث تملك أدرار اكلات متنوعة في ثراثها كالكسكس و المردود الذي يكون عبارة عن حبات كروية غليظة من الطحين ، إلى جانب أكلات أخرى مثل خبز الأنور و خبز القلة والمردف تحافظ هذه الأكلات على تسميتها الأمازيغية الزناتية ، وتختلف طرق تحضيرها من مكان لآخر، قابلنا في معرض القرية التراثية السيدة زياني الخادم وهي بجانب أدوات المطبخ التقليدية ، يلفت إنتباهك تواجد حبات التمر التي تفرشها على الارض بجانب مهراس خشبي طويل و قفة مصنوعة من السعف يطلق عليها ب “التدارة” يشبه شكلها شكل خضار القرع و مقسومة على نصفين بشكل اففي ، عندما تكشف عن الغطاء تجد بداخلها حبيبات مسحوقة من التمر يطلق عليها بالسفوف ، تقول الحاجة الخادم زياني ،
بأنه من العادات المتوارثة استقبال الضيوف بوضع قفة التدارة و يتم سكب السفوف لهم في صحن من الطين وقد يكون من الزجاج بالنسبة للضيوف المهمين أو الذي ينذر قدومهم ،
الحاجة الخادم زياني
يتم صناعة السفوف بتهريس حبات التمر الجافة بعد غسلها وتنقيتها من النواة و والحجارة ، ثم توضع في مهراس خشبي طويل الشكل وله قبضة طويلة تبلغ 30 الى 40 سنتيمترا و في بعض الأحيان تبلغ طولا أكبر من ذلك ، تهرس حبات التمر حتى تصبح عبارة عن حبيبات صغيرة وتحفظ بعدها في قفة التدارة ، و يتم وضعها لاستقبال الضيوف ، كما يتناول السكان السفوف في فترة السحور خلال شهر رمضان وذلك لسهولة هضمه على المعدة ويعتقد بأنه يمد الجسم بالطاقة لهذا في الماضي حرص الفلاحين على تناوله بعد نهاية عملهم في الحقول .
الجنان أو الجنة مصدر غداء أساسي للمطبخ التواتي
يعتبر الكسكس من الأكلات الأساسية على المائدة الأدرارية و الذي يمر إعداده على عدة مراحل منها التبركيش وهي الفترة التي يتجمع فيها نسوة القرية او القصر في منزل كبير ويحضرن الكسكس من الطحين والسميد وأحيانا يحضرن نوعا آخر من الكسكس يعتمد على الشعير أو الاعشاب الطبية ، صادفنا في المعرض السيدة فاقو عاشورة
التي قابلتنا ببشاشة وهي تُعَرف الزوار بأنواع الكسكس الذي تحضر محليا ، حيث يتم رشه بالزيت والماء ثم يوضع في كسكاس مصنوع من السعف يتم نسجه من طرف نساء القرية ، يتميز الكسكس في ولاية أدرار بالمرق الذي يزينه من الأعلى .
في جانب السيدة مريم تجلس رفيقتها وهي بجانب قدرة تقليدية مصنوعة من الطين ، بينما تجهز الخضار التي يتم إحضاره من الحقول أو ما يطلق عليها بالجنة لتزين الكسكس .
تمثل الحقول الزراعية أهمية كبيرة في ثقافة حضارة توات فهي مصدر للرزق و المعيشة ، يطلقون عليها كلمة الجنان أو الجنة وهي كلمة مشتقة من الكلمة العربية التي تعني الأرض المحاطة بالاشجار و الخضرة ، نلاحظ من خلال أنواع الأكل التقليدية المعتمدة على ما تنبته الأرض، و كأنها رسالة لنا عن السكان القدماء الذين كان يعتمد غداؤهم بشكل أساسي على مواد طبيعية بشكل كامل ، وذلك باعتمادهم على اىخضار والتوابل ولحم الماشية بل حتى أن مادة الملح المستخدمة يتم إحضارها من سبخات الملح المحلية فذكرت لنا السيدة عائشة بلبالي رئيسة جمعية موروث الأجداد بأنه يعتمد على سبخات الملح من ميمون ببلدية بودة و ذلك بعد جمعه وتنظيفه .
النسج والسلالة حرف تبدعها الأنامل النسائية
تضم القرية التراثية حرف متنوعة يمتاز بها سكان القرى والقصور الأدرارية تميزت بنسج الأفرشة من الصوف والأقمشة و حرفة السلالة أو ما يسمى بنسج سعف النخيل ، قابلتنا السيدة قبال عاشورة من زاوية سيدي البكري وهي تنسج سعف النخيل بأناملها ، تقول:
النخلة أمنا تأتي لنا بالتمر ونقوم بنسج سعفها لصناعة القفف والسلال و أواني الطبخ وحتى صناعة سجادات الصلاة ، إنها مصدر الرزق الذي يطعمنا …
قبال عاشورة
تعتمد النسوة على بيع مقتنياتهم التي يصنعوها من هذه الحرفة و بمبالغ زهيدة تبلغ أحيانا 500دج للقفة الكبيرة و250 للمتوسطة و المنقوش منها يباع ب300دج .
تذكر لنا السيدة عاشورة بأن هذه الحرفة هي عمل متوارث من الأجداد وقد حصلت عليها من جدتها و أمها ، و تسعى النساء للقيام بها في أوقات الفراغ أو خلال أيام رمضان ، بشكل عفوي تخبرنا السيدة قبال بأنها عندما تبتعدعن القيام بهذه الحرفة فإنها تشعر بأن شيئا ما ينقصها خلال اليوم .
صناعات حرفة السلالة ينتج عنها بضائع مختلفة يستعملها السكان في حياتهم اليومية كالقفف التي يتم جمع التمر فيها في أوقات الحصاد أو صناعة التدارة لتخزين السفوف وكذلك في صناعة قفف خاصة بالحبال يعتمد عليها الرجال في تنظيف الفقارات من الطين والأتربة ، و من مقتنيات السيدة قبال عرفتنا على القف وهو مايماثل الحقيبة النسائية التي كانت تستعملها النساء قديما .
تقول السيدة عائشة بلبالي رئيسة جمعية ميراث الأجداد بأن النسوة كن يعتمدن أيضا على نسج الأفرشة بالصوف و بقايا الأقمشة كذلك لصناعة الأغطية و الأفرشة ورغم أن توفر الأغطية في وقتنا الحالي إلا أن صناعة الأفرشة لا تزال موروثا مستمر، يتم تحضير الأفرشة بنسج الصوف لصناعة الفراش المسمى بالطعمة ، بينما يطلق على الأفرشة المصنوعة من بقايا الملابس بالبوشرماط التي يتم فيها تقطيع الأقمشة في المسند وهو الآلة التي يحضر عليها صناعة الأفرشة إذ عرّفتنا عليه السيدة سالي مريم بأنه يتشكل من عمودين غليظين يطلق عليهم التامطوط وعليه عصا أفقية تدعى القشبة ثم ترتب الخيط الصوفية بشكل عمودي ويتم شدها بعصا أفقية ثم تربط عليها حبال الصوف أو بقايا قطع القماش بشكل افقي يتم تعديلها بآداة مسننة تسمى المدرة ، تقول السيدة سالي مريم بأن الوقت الحالي أصبحن يعملن فقط على صناعة الأفرشة الأرضية وتم التخلي عن صناعة الأغطية منذ توفر الأغطية في الأسواق .
أما النحت على الخشب فهو مجال أبدع فيه الحرفي محمد باحيدي بصناعة آلات موسيقية، حيث يمثل الفن التشكيلي والنحت على الخشب رابطا قويا يربط بين الصناعات التقليدية و السعي لعصرنة التراث بدمجه بالفنون المعاصرة ، التي لها فرصة كبيرة لجلب السياح والإبقاء على التراث والمحافظة عليه ليعيش أكثر .
االسمر على قصص ضارب الدندول ولعبة الدامة
تكتمل صورة القرية التراثية بالصورة التي تمثل نمط الحياة التي يعيشها المجتمع التراثي بتقديمها للألعاب التقليدية كلعبة الدامة و قعدة الحكواتي و قعدات الشاي والقهوة ، جذبت أنظار الزوار لعبة الدامة التي كان يلعبها شابين مشاركين في اللعبة إذ يُعرفنا ابراهيمي عبد الكريم وهو عضو من جمعية ميراث الأجداد ويساهم في تصوير أحداث المعرض وتوثيقها ، ذكر بأن لعبة الدامة هي لعبة متوارثة من القدماء وهي تشبه الشطرنج الحالي ، يلعبها الشباب الرجال بعد نهاية أعمالهم في الحقول أو في جلسات السمر خلال شهر رمضان ، تُلعب الدامة على رقعة يتم تشكيلها على الرمال بمربعات متوازية ويلعب فيها الطرف الأول بالحجارة والطرف الثاني بحبات نواة التمر ومن يستولي على أكبر قدر من حجارة عدوه يعتبر هو الناجح ، تدخل هذه اللعبة في الحياة اليومية للسكان وفي بعض الأحيان قد لا تكون لعبة فقط فقد يتنافس عليها اللاعبون عن طريق القمار أو وضع شروط للربح كأن يدفع الخاسر مبلغا ما لخصمه إذا خسر خلال الجولات أو يطلب منه دفع ثمن الفطور أو العشاء أو غيره.
حاجيتك ماجيتك كلمات تنهض بضارب الدنودول المسحراتي
عرَّفت القرية الثقافية بدور الحكواتي أو ما يطلق عليه بضارب الدندول أو القصاص وهو من يحرس على رواية الحكايات الشعبية وقص على الحضور ويبدأ قصصه بعبارة حاجيتكم ماجيتكم كليت عشايا ماجيتكم وحد النهارة كذا و…وكذا ،ليباشر قصته الشعبية بشكل يجذب الخيال الفنتازي والفكري للمنطقة ، والتي تكون خلال جلسات الشاي التقليدية .
وحتى للنسوة نصيب في تلك السهرات وذلك بتحضيرهم لقعدة الشاي والتي تحرص فيها النساء على تبادل الأحاديث والأخبار أمام موقد النار.
كتب القرآن الكريم كاملا بخط يده
حكاية الخطاط بشيري محمد
يرتبط الموروث الثقافي لسكان القصور ارتباطا وثيقا بالدين الإسلامي حيث يحرصون دوما على بعث أبنائهم للتعلم في المدارس القرآنية والتي يطلق عليها بالمحضرة يجذب إنتباهك اللوحة القرآنية التي خطها الحاج بشيري محمد بخط يده وفي يده مصحف القرآن الكريم الذي كتبه كاملا خلال أربع سنوات في التسعينات ، يروي لنا السيد بشيري بأنه قد تتلمذ على يد الشيخ محمد بالكبير بولاية أدرار ، يقول السيد بشيري بأنه سعى لكتابة المتون التي تقرأ بعد نهاية كل صلاة بخط يده نظرا لقلة توفرها خلال السبعينات بكتابة متن العبقري و متن ابن بشير وقام بعدها بكتابة متن إبن رشد ، تعتبر ولاية أدرار من أكثر الولايات التي تحمل عددا هائلا من المخطوطات والتي تمثل جزءا هاما من الموروث الثقافي لولاية أدرار .
التراث الجزائري الزاخر يحتاج لأفكار معاصرة تخرجه من صندوق النمطية و تحافظ عليه بشكل متجدد إذ جعلتنا الظروف الحالية مجبرين على السعي لتوثيقه في المحافل الدولية والمنظمات من أهمها اليونسكو .