عين على حال نتائج التعليم بدائرة أولف

 مع ظهور نتائج الإمتحانات الرسمية سواء نتائج شهادة  التعليم المتوسط أو شهادة البكالوريا، تظهر تحليلات و تعليقات إيجابية أو سلبية تتماشى و نوعية النتائج المحققة، والكثير من هذه التعليقات أو التحليلات لا تخضع لأي سند أو مرجع بَيُّنٍ.

ففي الأعوام السابقة نالت الثانويات الثلاثة بأولف نصيباً مفروضاً من الإنتقاد و السلخ أحياناً، بين متحسر على تاريخ مضى كانت فيه الريادة لثانوية أولف في عديد السنوات، غير مراعين أن هناك تحولات و تغيرات طرأت في المنظومة ككل سواء الوطنية أو المحلية، فسابقاً كانت ثانوية جبايلي عبد الحفيظ هي الوحيدة على مستوى الدائرة، الأمر الذي كان يمثل مصدر قوة كون كل أبناء الدائرة يتمدرسون في ثانوية واحدة، و توزعهم حالياً على ثلاث ثانويات له تأثيره الذي يعرفه أهل التربية.

كذلك كانت نداءات من هنا و هناك لدراسة وضع التربية المتدهور على مستوى دائرة أولف، لكن ظهر أنها لا تعدو نفحات  و فترات حماس لم تلبث أن خبت، فتظهر مع تحقيق نتائج ضعيفة و تختفي عند تحقيق نتائج مقبولة. و دليل ذلك ظهور تحليلات لضع النتائج في الأعوام السابقة و كذا تحليل نتائج التعليم المتوسط لهذا العام 2023، بينما تم اغفال  تحليل وضع نتائج البكالوريا لهذا العام كون النتائج كانت مقبولة نوعاً ما.

لذلك ما نلمسه أن منطلق الجهات الفردية أو الجمعوية التي نادت بضرورة معالجة وضع التربية بأولف كان منطلقها نسب النجاح المحققة و هذا المبدأ خاطيء. فوضع التربية و تصحيحه ينبغي أن يكون مشروعاً متكاملاً يشارك فيه كل أهل التربية و الفاعلين الذين لهم صلة بالتربية دون اغفال وجهات نظر المهتمين.

لذلك في هذا التحليل – الشخصي- سأحاول عرض بعض أسباب تدهور التعليم بدائرة أولف، فأول خطوات العلاج تبدأ بالتشخيص الحقيقي و الموضوعي لحالة التعليم و نبش ما ينبغي أن نبشه و كشف ما ينبغي كشفه سواء إيجاباً أو سلباً. و قبل ذلك سأعرض تحليلا ً بالأرقام لنتائج البكالوريا بدائرة أولف للسنوات الثلاثة 2021 و 2022 و 2023 للمقارنة و معرفة مواطن الخلل و مواطن القوة.

2021

2022

2023

 مما سبق يمكن أن نلاحظ:

كلما قل عدد المترشحين، كلما ارتفعت نسبة النجاح و العكس صحيح. فمثلاً: نأخذ عدد المترشحين في ثانوية جبايلي لعام 2021  الذي كان (198  مترشحاً) و في عام 2022 انخفض ل (180 مترشحاً) و كان عدد الناجحين نفسه تقريباً 75 ناجحاً و 76 ناجحاًعلى التوالي فارتفعت نسبة النجاح سنة 2022، و هذا ما يؤكده تحليل بسيط لنسب النجاح بثانوية تفريج و تناسبها عكسياً مع عدد المترشحين ففي 2021 كان عدد المترشحين 194  و كانت  النسبة 51 % في حين انخفضت ل 43% هذه السنة حيث بلغ عدد المترشحين 206. و يعزز ذلك نسب النجاح المتقاربة في ثانوية هيباوي لسنتي 2021 و 2022 لتقارب عدد المترشحين  ب  156 و 160 مترشحاً للسنتين على التوالي.  فالفارق هنا هو نقص عدد المترشحين الذي كلما قل سمح بزيادة نسبة النجاح،  و هذه استراتجية تعتمدها بعض المؤسسات لرفع نسبة النجاح( و لا نقول أن تخفيض عدد المترشحين هو العامل الأساس بل هناك عوامل عدة قد تكون فارقاً حتى إن كان  عدد المترشحين كبير)

 ثانياً، ما أظهرته نتائج التحليل على صفحة مديرية التربية أن نسبة نجاح الطلبة الجدد (الممتحنون لأول مرة) تكون جيدة و  مرضية، و كلما زاد عمر المترشحين – عن السنة المفترضة لسنة النهائي- كلما انخفضت نسبة نجاحهم. و هنا يظهر أن الإعادة المتكررة غالباً ما تؤثر على نسب النجاح و لهذا تفسير عند أصحاب التربية أيضاً.

 ثالثاً، عدم استقرار الإدارة لأزيد من خمس سنوات في المدارس التربوية بأولف بداية من الإبتدائي فالمتوسط ثم الثانوي. فمثلا نجد في بعض المتوسطات تغير المدراء و معاناة بعضها من تغيباتهم المتكررة، كما نجد أن الثانويات الثلاثة تفتقر لوجود مدير أو ناظر كحال ثانوية جبايلي التي تعاني عدم وجود المدير لأزيد من ثلاث سنوات و كذلك الحال مع  ثانوية تمقطن،  و كذا ثانوية هيباوي التي تفتقر لوجود ناظر بها. عدم الاستقرار هذا يخلق حالة عدم الانضباط و ضعف التسيير بالمؤسسات( سواءً عند الطلبة أو العمال أو الأساتذة و لنا في هذا أمثلة واقعية معاشة لتغيبات و تأخرات أثرت على انضباط المؤسسات) . فلا يتخلف اثنان أن أي مؤسسة تحتاج لمدير بكامل الصلاحيات  ليقف على كل صغيرة و كبيرة  و ليس مكلفاً بصلاحيات محدودة.

 رابعاً، التعليم سلسلة متواصلة من مرحلة الإبتدائي مروراً بالمتوسط إلى الثانوي فالجامعة، لذلك نجد أن تحصيل بعض التلاميذ في طور  أعلى( إبتدائي، متوسط، ثانوي) متأثر بشكل ( ما)بطريقة نجاحهم في  الطور السابق سواء بتسهيل مواضيع الامتحانات  أو بسبب عملية (غش و تغشيش) و مما يؤسف له أن تجد بعض الفئات تبارك نجاح أبنائها بالطرق الملتوية بل و تساعد في ذلك، و هذا ما يخلق لنا تلميذاً هشاً متكاسلاً يطلب النجاح بأبسط السبل نتيجة ما تعود عليه.  و هذا ما يجب أن ينتبه له كل معلم و أستاذ ذو ضمير حي، فالتلميذ الذي تغششه اليوم سينقم عليك مستقبلاً و سيكون المعول الذي يهدم المجتمع.

    فإخفاق التلاميذ في شهادة التعليم المتوسط ليس مرتبطاً كلية بمساره خلال مرحلة المتوسط بل  لا بد أن يُنظر لمسار التلاميذ خلال مرحلة الإبتدائي، و اخفاق بعض الطلبة في البكالوريا ضروري أن ينظر كذلك لمسار الطلبة و طريقة نجاحهم في شهادة التعليم المتوسط. و المتمعن في نتائج الامتحانات الرسمية سيدرك أن النجاح الحقيقي و الكسب الحقيقي  سيكون ملازماً للتلاميذ الذين درسوا و تحصلوا على نتائج حقيقية أهلتهم للطور الأعلى،   أما النجاح المشبوه فلا يلبث أن ينكشف خوره في السنة الأولى متوسط أو الأولى ثانوي بالنظر لعدد المعيدين الكبير  و ضعف مستوى المنتقلين (وهذا مؤشر ينبغي على من وقع عليهم أن يراجعوا أنفسهم و يتقوا الله في أبنائهم)

    و إذا المعلم ساء لحظ بصيرة … جاءت على يده البصائر حولا 

خامساً ، تقييم النجاح و الاعتماد على نسب النجاح بالشكل المطروح الآن فيه ضيم و عدم مساواة، فكيف بمؤسسة عدد مترشحيها كلهم ( الناجحون و الراسبون)أقل من عدد الناجحين بمؤسسة أخرى لكن المؤسسة الأولى  تحوز المراتب المتقدمة بينما الثانية تتزيل الترتيب. لذلك – ما اقتنع به-  أن نسب النجاح هذه هي للإستئناس و مؤشر لكل مؤسسة لتراجع مواطن الخلل، أما أن تجعل النسب هذه للمقارنة و المفاضلة بين المؤسسات فهذا ليس بالعدل. لأنها انتجت تسابقاً غير شريف عند البعض لرفع نسب النجاح.

 سادساً، السعي وراء رفع النسب، جعل الجماعات التربوية تغفل الجانب الإنساني و لا تراعي وضع أبناء المنطقة و هذا ما ينطبق عليه المبدأ المكيافيلي” الغاية تبرر الوسيلة” فالغاية رفع النسبة لذلك  تَعمد بعض المؤسسات لتقليص عدد المترشحين في السنوات النهائية  لزيادة نسبة النجاح، و لا لوم على المؤسسة إذ أن ضغط المجتمع الذي تظهر دوماً فيه أصوات بعد النتائج متهكمة و ناقدة يدفع للتضحية بالمعيدين الذين قد يشفع لهم خُلق أو نتيجة أو معدل حققوه خلال السنة، فبدل أن يُسمح لهم بالإعادة يكون مصيرهم الشارع.

و أذكر هنا  كلمة المدير” عبد القادر قدي” الذي كان دوماً يراعي مصلحة الطفل أولاً، فكان يقول و نحن في المجالس

بدل أن يخرج للشارع و تتلقفه أيادي السوء فيضر نفسه و يضر مجتمعه فلنصبر نحن عليه  فلعله ينجح عندنا فنكون أنقذنا نفساً من الضياع

  كلمة المدير” عبد القادر قدي”

( انتهى معنى كلام المدير)، رغم أن الأقسام كانت حينها  بين مكتظة أو قريبة من الاكتظاظ. وهذا ما درجت عليه المؤسسة لسنوات. و أذكر كذلك من جميل هذا الصنيع أن يأتي ولي أمر طالب ناجح فيقول ( جازاكم الله خيراً أن منحتم إبني فرصة للإعادة رغم أنه استوفى حقه) هذه الكلمات كفيلة أن نغلب الجانب الإنساني على جانب الأرقام. و الأمر ليس على إطلاقه، فالتلميذ الذي خانه خلقه و تدنت نتائجه و كثرت غياباته لا شفيع له.

سابعاً، من يبغي الإصلاح و منطلقه المقارنة بين نسب النجاح فمنطلقه خاطيء، فلكل مؤسسة خصوصياتها و مواطن قوتها و مواطن ضعفها. فيحدث أن تتراجع مؤسسة ما لسنة أو لسنوات و هذا أمر طبيعي، فسُنَّة الحياة تقتضي تبادل الأدوار و عدم الثبات.  لكن من أخفق عليه عقد جلسة تحليل لمواطن الخلل و العمل على تداركها كجماعات تربوية و جمعيات أولياء تلاميذ ( حكيمة واعية) بإشراك من له صلة بالتربية.

ثامناً، مشاكل و تعثر المؤسسات التربوية أمر منوط برجال التربية و من له علاقة بالتربية و ملم بجوانب عدة.

فمعالجة أمر يخص التربية من غير أهلها يجعل المعالجة تنحو في اتجاه واحد فتكون النظرة قاصرة  و هذا عور قد تكون نتائجه السلبية أكثر من الايجابية. فحصل في سنة سابقة أن قدم أحدهم  تحليلاً (في منشور على صفحة الفيس بوك)  فُهم منه أن سبب تدني النتائج هو طرف معين! ، فكان أن  تمت مهاجمة الطرف هذا  من قبل  العامة جراء ما وصل لهم من تحليل قاصر ناقص. ولا أقول بإقصاء أي أحد، فحق إبداء الرأي و المساهمة في الإصلاح مكفول و لكن بعد عرضه على أهل الاختصاص.

تاسعاً، مقولة “ مؤسسة كذا الدايم الله” أو ” يرحم أيام فلان …” هذه المقولات و غيرها عقيمة و لا تقدم بل تجعل  من يتبناها متوقفة حياته، فزمن التسعينات ليس هو زمن العشرينيات و لن يكون الزمن القادم كزمننا هذا.  

جميل أن ننظر للماضي فنأخذ منه ما ينفعنا من تجارب ناجحة نكييفها حسب حاجتنا، فالأمجاد نُذَّكر بها لشحذ الهمم و لتعزيز الثقة في نفوس الأجيال و كذا للإقتداء. الأمجاد لم تكن يوماً لتثبيط جيل له خصوصياته تختلف تماما عن خصوصيات أسلافه. فلكل عصر رجاله و قادته.

عاشراً، المجتمع الأولفي شهد تغيراً ملحوظاً سنة 2003 أولاً ثم سنة 2009 ثانياً، فمع ظهور الدعم الفلاحي اتجه الكثير من الشباب و منهم التلاميذ إلى العمل و تحصيل المال بدل الاعتناء بالدراسة و هذا بمباركة بعض الأولياء، ثم جاءت نكبة 2009 ليستفيد جل ساكنة أولف من الدعم، مما خلق تحولاً في بنية وطريقة تفكير المجتمع. فأصبح طغيان الجانب المادي يؤثر بشكل كبير على عقول الصغار و الكبار و صار  المال أولوية على حساب اشياءكثيرة مهمة أولها التعليم، فانتقل تأثير ذلك رويداً رويداً لنفوس التلاميذ خاصة فئة الذكور فأصبح التفكير المادي طاغياً مما جعلهم يفكرون في العمل باكراً و التوقف عن الدراسة. فكانت نعمة المال نقمة علينا بعدم استغلالها استغلالاً حسناً.

قال تعالى:”… ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” (35)

طلبتنا يحتاجون لمن يأخذ بأياديهم و يهتم بهم منذ أن تطأ أقدامهم المدرسة. و الاهتمام بهم يكون من طرف الولي بالمنزل متابعة و توفيراً لوسائل التعلم و المراقبة و منع الوسائل الملهية عن الدراسة. و يكون كذلك من طرف المؤسسة التى تفرض الانضباط على الطلبة في وقت دخولهم و خروجهم و غيابهم و تتابع تقدمهم و تراجعهم، و تنظم حصص الدعم متى كان الأمر يستدعي ذلك. و يكون أيضاً من طرف الجمعيات ذات الصلة بالتربية فتعمل على تحفيز التلاميذ و توفير الظروف المناسبة لتمدرسهم. فطالب في قسم دون مكيف أو بتكييف ضعيف تحت درجة حرارة مرتفعة أنَّى له أن يستوعب الدرس.

ختاماً، ما أرجوه أن تنظر الوصاية نظرة جادة للبرامج التربوية و معالجة الإختلالات فيها و الأخذ بمقترحات المفتشين و الأساتذة و المختصين التربويين، كذلك ينبغي النظر لمعايير ترتيب المؤسسات و إلغاء هذه العملية أو مراجعتها  حيث  جعلت بعض المنتمين للتربية  يلغون ضمائرهم فيسعون للمراتب الأولى بأي طريقة كانت، و حجتهم في ذلك واهية، فالولي يشتكي ضعف ابنه و انتقاله بعلامة ليست له، و لا يمكنه الاحتجاج مخافة ضرر و انتقام  قد يلحق بابنه جراء تقديم الشكوى وهذا جرم في حق الناشئة. ( من يتقرب من الأولياء سيسمع منهم)

أيضاً على المجتمع و الجماعات التربوية أن لا تنصاع و تنجر وراء زيف النسب على حساب الانسان، فنجاح طالب واحد و انتشاله من وحل الشارع أفضل و أسمى من أي نسبة نجاح تأتي على حساب التضحية بالإنسان. كما ينبغي متابعة المؤسسات التى تحرز تقدماً، فتنقل تجربتها لباقي المؤسسات للإستفادة من منهجية عملها و تُساءل عند إحراز تقدماً لم يكن نتاج خطة و منهجية عمل مدروسة  بل كان نتاج تواطيء ممنهج غير تربوي.

ما تم عرضه هو محاولة بسيطة مقتضبة لتحليل وضع التربية في دائرة أولف، حسب ما خَبرته و ما وصلت له من هنا و هناك، و لا ريب أن هناك الكثير من الأسباب و طرق العلاج عند الكثير ممن لهم باعٌ و تجربة تفوقني. فأرجو بهذا أن يكون تحليلي أرضية لبداية جادة للنهوض بالتربية في الدائرة.

كتبه : أ. محمد دباغ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.