في أكتوبر الوردي الواقع ليس ورديا
لم يكن سهلا عليّ تقبل خبر إصابتي بسرطان الثدي لقد إنهار كل عالمي فجأة , كنت أنظر إلى أبنائي و أهلي نظرة مودع , كيف لا و السرطان مرادف للموت, كم كانت مخيفة جملة السرطان فهي بالنسبة لي كانت جملة و ليس كلمة , إستغرقت وقتا كي أفهم و أتقبل فقد غيّرت هذه الجملة حياتي و حياة أقرب الناس لي سرقت مني الإحساس بالأمان و جعلتني أخاف من الغد الذي قد لا أعيشه . لكنني لم أكن أعلم أن الكابوس لم يكن إلا في بدايته و أن رحلة العلاج ستكون أشد قسوة و ألما من المرض نفسه بحيث أن كلمة كابوس لا يمكن أن تفيها حقها إستهتار, إذلال, إستهزاء و غيرها كثير من المواقف يمر بها المريض و هو يدخل باب المستشفى ليجعل منه أبشع مكان يمكن أن يزوره .
الجميع يكتب عن الألم لكن الألم الحقيقي لا يحكى بل يعاش
حقيقة لمسناها في كلمات السيدة السعاد التي لخّصت واقع الصحة المريض في بلادنا ,واقع يصدم المرضى بصفة عامة ليس مريضات السرطان فقط ليقضي على بعض الأمل الذي كان يسكنهم في وقت هم أحوج ما يكونون إليه .
صعوبة الحصول على مواعيد إستشفائية , ندرة الأدوية , إنعدام الدعم النفسي, قد يقول البعض أن هذا ليس بالشيء الجديد بالنسبة لمستشفياتنا, أكيد فمعظمنا إعتاد على هذا الوضع حتى صار طبيعي لكن الفرق أن الوقت بالنسبة لتلك المريضات و كل مرضى السرطان بصفة عامة يساوي الحياة فكلما كان العلاج أبكر كلما كانت فرص النجاة أكبر .
هل يبقى أكتوبر وردي بعد كل هذا ؟
سؤال يجب أن يطرح فرغم إرتفاع عدد الإصابات من 300 حالة في 1995 إلى 14 ألف إصابة سنة 2020 لازال الوضع في مؤسساتنا الإستشفائية كارثي بل و غير إنساني بالنظر إلى ما تعيشه المريضات داخل هذه المستشفيات عبر تراب الوطن و الذي جعل بعضهن يستسلمن لفكرة الموت تحت وطأة المعاناة اليومية التي يعشنها خصوصا المحتاجات منهن ,و ما نداءات الإستغاثة و طلبات الإعانة التي نصادفها يوميا على صفحات الجرائد أو عبر الأثير أو في مواقع التواصل الإجتماعي إلا دليل مدحض لإدعاءات بعض المسؤولين الذين إعتادوا تجميل الوجه البشع للحقيقة .
حقيقة دفعت ب12 جمعية متخصصة في التكفل بمرضى السرطان و رعايتهم عبر مختلف ولايات الوطن رفقة مختصون في الصحة إلى التوحد للإستنكار و التنديد بها فقد بلغ الوضع مستويات لا تطاق بالنسبة للمريض أولذويه كما قالت السيدة حميدة كتّاب الأمينة العامة لجمعية الأمل لرعاية مرضى السرطان خلال ندوة صحفية, فما بين مرضى يموتون بسبب الإهمال و أخرون يرحلون جراء أخطاء تسيرية عجّلت بوفاتهم تقف الجمعيات موقف العاجز بعد أن تجاهلت وزارة الصحة نداءات الإستغاثة التي أطلقتها الجمعيات و المرضى على السواء فالمراكز الصحية للسرطان باتت تكتفي بتقديم شهادة الوفاة للمرضى في ظل غياب التكفل الحقيقي.
80 بالمئة من مريضات السرطان تعرضن للإستئصال التعسفي للثدي في غياب علاج إشعاعي عرّض أغلبهن للإنتكاسة بعد أن بلغت آجال الإنتظار للظفر بالعلاج الإشعاعي 7 أشهر و لا مواعيد قبل جانفي 2022 للمرضى و القوائم كلها مشبّعة, نحن نتقدم إلى الخلف قالت السيدة مليكة , فقد بتنا نفقد مرضانا الممكن شفاءهم كل هذا نتيجة سوء التسير الذي يفرض منطقه بقوة ,المريض بات يتسول في الطرقات و يبيع ممتلكاته حتى يتمكن من علاج نفسه فبطاقات الشفاء لا تضمن له العلاج الأساسي .
لقد أضحت يوميات المريضات في المستشفى مسلسلات رعب و خوف و إرتقاب ففضلا عن أنها تفتقر لأدنى مقومات الصحة و العلاج فهي تجعلك تفقد الأمل في الشفاء نهائيا و تستسلم لقدرك وضع لم ينكره عبد الرحمان بن بوزيد وزير الصحة الذي إعترف أخيرا بأن هناك إختلالات كبيرة في تسير ملف التكفل بمرضى السرطان في الجزائر منتقدا في نفس الوقت وضعية العديد من مراكز مكافحة السرطان لاسيما الجنوب أين عشعش الحمام فيها كما قال, معلنا في ذات السياق عن تفعيل الصندوق الوطني لمكافحة السرطان و الذي بقي دون إستغلال منذ تاريخ تأسيسه في 2012 ,كما كشف عن إستقدام 7 مسرعات جديدة مع نهاية السنة الجديدة لتقليص مواعيد الإستفادة من العلاج الإشعاعي التي تناهز 9 أشهر كما سيتم فتح مصالح علاج إشعاعي جديد في العاصمة .
هل سمع وزير الصحة ناقوس الخطر الذي دقّته الجمعيات المتخصصة في التكفل بمرضى السرطان ؟ هل أزعجت تصريحات تلك الجمعيات الوزارة المعنية بتكذيبها علنا التصريحات الرسمية التي يتغنى بها مسؤولون في القطاع و وصفها بالكاذبة و دعوتها لمن يهمه الأمر النزول إلى الميدان ليتقاسم مع المرضى آلامهم و معاناتهم ؟

قد لا تهم الإجابة بقدر ما يهم الفعل طالما أن الجميع يؤكد أن الإمكانيات متوفرة و الميزانيات أيضا مضمونة من قبل الدولة إذ من الأهمية بمكان الإسراع في تحسين الوضعية الصحية للمريضات اللواتي يحصد المرض أرواح الكثيرات منهن يوما بعد يوم ,فسرطان الثدي لا يعتبر قدرا محتوما بإعتباره قابلا للعلاج بنسبة 95 بالمئة شريطة أن يتم إكتشافه مبكرا و التكفل به و إلا ما الفائدة من حملة أكتوبر الوردي ؟
كتبه : وهيبة بومزال