محمد بن عبد الكريم المغيلي رجل أراد الصلاح ونشر الإسلام

تمتلك الجزائر عدة علماء مسلمين شهد عليهم التاريخ بتقديمهم مواعظ ودراسات هامة في الإسلام كعلوم الفقه والتفسير القرآن والحديث النبوي منهم عبد الرحمان الثعالبي والأخضري والمغيلي الذين ساهموا في نشر الإسلام وقيمه , حيث تعاقبت على الجزائر عدة حضارات منها حضارة الموحدين و الحضارة الرستمية والزيرية وبنو زيان و العثمانين  ,  حيث تتلمذ على يد الثعالبي وهو واحد من مفسري القرآن له عدة مؤلفات منها الجواهر الحسان و رياض الصالحين وتحفة المتقين و الدر الفائق  واحدا من أهم العلامة المسلمين محمد بن عبد الكريم المغيلي , الذي تتلمذ على يد الكثير من الفقهاء من بجاية وتلمسان وهاجر لحاضرة توات و من بعدها توجه نحو الغرب الإفريقي بدعوة من أمرائها حتى يساندهم على تثبيت أسس الحكم الراشد و الإصلاح والعدل بين الراعي والرعية .

إذ يعد المغيلي واحد من أهم العلماء المسلمين في تاريخ الجزائر , انتقل من تلمسان نحو توات في الجنوب الغربي بأدرار حاليا ثم هجر نحو السودان الغربي لينشر تعاليم الإسلام و خصاله وترتبط قصته دوما مع الأحداث التي عاشها بطرد اليهود في منطقة تمنطيط بعدما علم بإستيلائهم على التجارة و خرقهم لعهود اهل الذمة , ولد محمد بن عبد الكريم الماغيلي بمغيلة التي تتواجد حاليا بتيارت 831 هجرية الموافق ل1427 ميلادي, فهو ينتمي لعائلة المغيلي التي اشتهرت بجدهم إلياس المغيلي أحد رجال طارق بن زياد فاتح الأندلس , درس على يد السيد أحمد بن عيسى المغيلي التلمساني المعروف بالجلاب  ,  أخذ عنه علم لتفسير والقراءات و الفقه المالكي وظل يتنقل بين العلماء حتى تعلم التفسير على يد كبار فقهاء المذهب المالكي  أبو يحيي التلمساني 826 هجرية الذي علمه التفسير حتى أصبح من علماء التفسير , ثم انتقل بعدها إلى بجاية وهو بعمر الثلاثين ليأخذ عن علمائها أصول التفسير و الحديث الشريف في واحدة من أهم حواضر العلم , كان المغيلي رجلا شغوفا بالعلم و الفقه وعرف عنه بأنه رجل ثوري يسعى لنشر الصلاح , فأصبحت له مكانة بين أصحاب الرأي السياسي بعدما تعلم الأصول الفقهية من عند أحمد بن إبراهيم الجائي , وهذا ماجعله ينال إحترام اعجاب واحد من اهم المفسرين والذي هو عبد الرحمان الثعالبي  , صاحب الجواهر الحسان الذي أذهل بفطنته وذكائه حتى أنه زوجه ابنته زينب الثعالبية التي دفنت زاوية كنته بأدرار.

لم يكن يستصغ حياة سلاطين بنو زيان و بجاية , وشعر بالسخط من تصرفاتهم الغير مبالية بالشعب ,حتى يقال بانه اتهم بمحاولة قتل السلطان والخروج عن أمره فنصحه صهره عبد الرحمان الثعالبي بالخروج من البلاد , حينها وجد ضالتها في أرض توات بالجنوب الغربي بالجزائر , وهناك احتضنته قبيلة بني سعيد , فعاش بين أهل توات والتجمعهم في الحياة و أخذ عنهم العلم و أصول الفقه و الحكم ,لكنه إكتشف بعد ذلك سيطرت اليهود على التجارة في منطقة تمنطيط  وخرقهم لقواعد أهل الذمة حيث اشتكى له المسلمين عن تجاوزاتهم وسيطرتهم على التجارة ,.ومما زاد الطين بلة تعمدهم لبناء كنيس جديد في تمنطيط ونشر عبادتهم , فسعى لمحاربتهم لكنه واجه اعتراضا من قاضي توات محمد عبد الله الأسنوسي  فقام بمراسلة الفقهاء من تونس وتلمسان و فاس فعارضه عبد الرحمان العصنوصي  , بينما أيده محمد التنسي صاحب كتاب الطراز على ضبط الخراز وأبو عبد الله التلمساني الحسني عالم تلمسان , واحمد المانوي , وأبو العباس المغراوي مفتي تلمسان , وبعد حصوله على تأييد العلماء عمد على هدم الكنيس الغير مشروع ووضع حدا لليهود ليجبرهم على الالتزام بالقواعد التي تفرض على اهل الذمة  .

رحلته لغرب السودان 

يذكر كتاب مبروك مقدم بأن محمد المغيلي اختار الذهاب نحو السودان الغربي في القرن 15 عن طريق القوافل والحجاج و الطلبة الدارسين بعدما تناهت له أخبار المسلمين هناك ,فزار إمارة كانوا بنيجيريا حاليا سنة 897 هجري الموافق ل1492 ميلادي . لكنه لم يتمكن من زيارة سنغاي بنيجريا حاليا  التي كانت تحت حكم الملك سلس الذي إضطهد علماء ورجال الدين في إمارته , وبعد وفاته توجه إلى سنغاي بدعوة من أميرها الجديد محمد أسكيا الذي أعانه على الحكم بمقتضى شرائع الإسلام ,سعى من خلالها المغيلي في محاربة البدع والوثنية مما جعله مطلبا لبلاط  الأمراء و الحكام بغرب السودان , إذ تشهد له رسالته التي بعثها لأمير كانو أو غانو محمد زنفا التي تحمل عنوان تاج الدين فيما يجب على الملوك ,وقد ساعد امير كانوا في تنظيم شؤون الحكم ومجلس الشورى وإصلاح سوق المعاملات المالية و الرعية و الحكم بالعدل دون تميز وأخدته السبل فيما بعد ليستقر بالتيغيد حيث اشتغل في التدريس , وبعدها إنتقل الى الهوصا بالسينغال وانضم له عدة علماء لنشر الدعوة وإصلاح شؤون الحكم و الوعظ ,حيث خلف أثارا كثيرة من الوعظ الديني والفقهي ونشر الطريقة القادرية في الإسلام ,إذ دونة له عدة مخطوطات تخضع حاليا لدراسات أكاديمية  وعلمية داخل الجزائر وخارجها .

أصبح المغيلي الذي توفي عام 1504بزاوية كنته أدرار شخصية تاريخية إسلامية هامة في تاريخ الجزائر يسعى العلماء والأكاديميون بتثمين تاريخه ومقتنياته بدراسات لعلمية تمكن من التنقيح والتحقيق الصحيح لمآثره حيث يتم التحضير لإعداد مركز علمي بإسمه إضافة لتخصيص جائزة تثمن مآثره , بينما يتمالعمل على دراسة مشروع لتثبيته كشخصية موسوعية هامة على مستوى اليونيسكو .

 المصادر و المراجع :

  • الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني ودوره في تأسيس الإمارة الإسلامية بإفريقيا الغربية : مبروك مقدم .
  • مجلة الذاكرة، تصدر عن مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري، العدد السابع ماي 2016 لشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي – من المهد إلى اللحد –

كتبه : رافعي محمد محي الدين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.