مخطوطاتنا
تعتبر ولاية أدرار الأم بأقاليمها الأربع (توات_ قورارة_تيدكلت_تنزروفت) خزّانا وافرا للمخطوط، نظرا لاكتظاظ قصورها بمجموعة ثرية من خزائن المخطوط بلغت 51 خزانة و 27000 مخطوطا باختلاف فنونه وأفنانه، حيث يعود أول مخطوط في المنطقة إلى القرن (16) ميلادي حسب بعض الدراسات، كما تتكفل أُسَر سخرها القدر لحماية هذا الإرث التاريخي العلمي وصونه أمدا طويلا من التحريف والتصحيف والسرقة، ولو أنهم استطاعوا حمايته وصونه ردحا من الزمن، إلا أن المخطوطات لم تسلم من مطرقة التآكل والإهتراء وسندان عاديات الدهر، ما أدى إلى إتلافها بما حملت من نفائس العلوم ودُرَر الآداب، وهذا عائد إلى تكديسها في الصناديق وربما دفنها تحت الأرض، حيث كان يلجأ إلى هذا بعض أرباب الخزائن خوفا عليها من الاستعمار الذي يسرقها حينا ويحرقها حينا آخر، فصار عددها بعد هذه العوامل كلها ما يقارب 3000 مخطوط.
ومع بزوغ فجر الحرية والاستقلال، عادت الخزائن إلى نشاطها بوتيرة ضعيفة جدا، تمثل في حفظها دون بحث أو تحقيق، ولعل ملتقى الشيخ عبد الكريم المغيلي الدولي الذي احتضنته ولاية أدرار سنة 1985م من القرن الماضي ،كان الشرارة التي إنتقل منها المخطوط التواتي من الرفوف والغبار، إلى البحث والدراسة والاستثمار، كما كان هذا الملتقى بذرة خير في الولاية، الذي أعيد بعثه بطابع دولي كبير برعاية سامية من السيد عبد المجيد تبون رئيس جمهورية في شهر ديسمبر 2023، وبهذا تنفس المخطوط عندنا الصعداء، من خلال إقرار المركز الوطني للمخطوطات بأدرار، وبهذا فتح باب خزائن المخطوطات على مصرعيه متاحا للكل الباحثين من الداخل والخارج.
ومع إستمرار ثورة السعي واليقظة لما تحتويه المخطوطات من معارف وتاريخ دفين، ماتولد عنه بروز عدة مختصين في ميدان التحقيق وإعادة إخراجه بطريقة عصرية واضحة الحروف وسهلة القراءة والتدوين، فانبرى لهذا العمل المضني الجليل أحد أبناء توات البررة والجهابذة المخلصين الرسوخ، من تحملوا مشقة رسم خطة ممنهجة واضحة المعالم للتعريف بالإرث الثقافي والثرات العلمي للمنطقة وحمله إلى العالمية بإقتدار،بداية بتأسيس مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا سنة 2011، مع ثلة من الأساتذة المجيدين المتخصصين، إنه البروفسور أحمد جعفري أستاذ بجامعة أدرار الذي يعد بقية مما ترك الباحث الراحل الإنتربولوجي مولود معمري وغيره من العمالقة الأفذاذ، فعمد إلى عقد سلسلة من ملتقيات دولية تبحث في المخطوط تصنيفا وتأليفا وفهرسة ورجالا، ودعى لها باحثين متضلعين من القارات السبع ولو أن البعد الإفريقي كان ظاهرا نظرا للإمتداد الطبيعي الذي يربط منطقة توات بدول جنوب القارة السمراء على غرار النيجر ونيجريا وتمبكتو ومالي وغيرها، كما عمل مع فريقه في بحثه على إقامة فهرسة شاملة وإحصاء ومسح لخزائن المخطوطات بدول الجوار الإفريقي، حيث تشجموا وعثاء السفر متنقلين بين دول إفريقيا السابقة الذكر، ليُجمَع هذا الجهد في كتاب متاح للطلبة والباحثين، ولم يتوقف المخبر عند هذا الحد بل أنشأ بوابة المخطوطات الجزائرية الإلكترونية التي تضم أزيد من 30 ألف مخطوط من داخل الجزائر وخارجها مع خارطة للمواقع وأماكن خزائنها مع نشرها في 12 مجلدا، وقد أُطلقت البوابة بمناسبة انعقاد الملتقى الدولي الرابع للمخطوط الذي انعقد سنة 2018 ، وتعد سابقة تاريخية في دنيا المخطوط الجزائري خاصة والإفريقي عموما.
نَعَم كل هذه الجهود التي تستحق صبرا وحرسا وأناة غرضها حفظ التراث المعرفي الجزائري وما دوّنه الأجداد والعلماء على مر العصور وصونه من الإندثار، وإشعال ما بقي منها من جدوى وهذا هو الوفاء بعينه.
كتبه: محمد مبروكي