نسج سعف النخيل حرفة متوارثة لدى نساء أدرار
العمةفاطنة شرويلي من أكبر الحرفيات في الجزائر ,تحترف صناعة القفف والأدوات التقليدية من سعف النخيل
تعتبر الصناعات التقليدية والحرف بالجزائر رباط خاص يربط بين الهوية الوطنية و القدرة السياحية للبلاد، فالسائح لا يكتفي برؤية فنادق البلدان التي يزورها ولا شواطئها المترفة، فهو سائح من طبقات الثقافية والإجتماعية يريد أن يتعرف على الرابطة الإنسانية التي تجمع بين كل الحضارات وصمودها , لذلك تعطى أهمية خاصة للحرفيين بولاية أدرار لإيصال صورة مجردة تمثل تاريخ المنطقة التي تمتلك الكثير من الصناعات الهامة من شأنها أن ترفع من المردود السياحي للوطن ودعم الحرفيين الذين شكلت لهم الجغرافيا عائقا كبيرا أمام توريد منتجاتهم التي تضاعف صنعها في فترة الحجر المنزلي لجائحة كورونا بحثا عن ملء أوقات الفراغ , ليصطدم الكثير من الحرفيين فيما بعد بصعوبة بيع وتسويق منتجاتهم الحرفية والتقليدية
عندما تزور المعارض الوطنية للصناعات التقليدية بولاية أدرار اليوم سترى إبتساماتهم وهم يعرضون منتجاتهم من نسج سعف النخيل التي تبدع القفاف والأطباق والصناعات الجلدية من النعال و قرب المياه والحليب و صناعة السيوف من الخناجر من الفضة والحديد فتدرك مدى توسع أفكار الحرفيين بولاية أدرار وشغفهم لخلق فضاء يسمح لهم بإمتهان حرفة خاصة تكسبهم عيشهم ليصبحوا رائدين في هذا المجال كمثال العمة فاطنة شرويلي التي تنسج بأناملها التي نال عليها الزمان بخمسة وتسعين عاما قفف من سعف النخيل التي تجمعها من البساتين الصحراوية ، جعلت من حرفتها مصدر رزق وهوية تمثلها لتسبق غيرها وتكرم كأكبر الحرفيين سنا بالجزائر سنة 2007 عندما حظي الحرفيون الجزائريون بيوم خاص بهم يكرم تلك الأنامل التي تصقل النحاس وتعجن الخزف والطين ، كتب لها القدر أن ترحل مع إبنها من قصر اولف الذي يبعد بحوالي 300 كلم بعيدا عن ولاية أدرار لتحصل على التكريم الوزاري ، سيدة من قلب الصحراء الكبرى كان نسج زعف النخيل اليابسة واعطائها الحياة جزءا لا يتجزء من مسار ذكرياتها ، تواصلنا مع إبنها ليخبرنا عن صفحات الحياة التي مرة بها كفتاة شابة تعيش بقصر تيمقطن .

أتقنت حرفتها التي تعلمتها من عمتها وذلك بنسج جدائل سعف النخيل ،الذي يتم قطعه في كل موسم من طرف فلاحي القصر الصحراوي حتى تتمكن أشجار النخيل من إنتاج محصول جيد من التمور بعدما يخفف عنها ثقل اسعاف النخيل المحيطة بها ، وكعادة نساء القصور الصحراوية في أدرار وهن يحرسن على تنظيف الحقول والبساتين من الأشواك والأعشاب الضارة وجمع أسعاف النخيل التي يقمن بإختيار المناسب منها ليصبح مادة خامة لتحويله إلى قفف و سلال تستعمل في الحياة اليومية ، أسعاف النخيل القاسية تلك يتم جمعها من طرف الفتيات ويقمن بفرشها وضربها بالحجارة حتى تصبح مصقولة وثابتة ليتمكن من سحب تلك الأعراف من جذوعها وتحويلها الى جدائل من الخيوط ثم يقمن بفرزها وجمعها لتتحول لمادة خام يعتمد عليها في نسج النخيل التي تتوارثها العائلات بأدرار منذ عشرات السنين ,وتم توثيقها في الكثير من المخطوطات والدواوين ، لجانب حرف مختلفة كصناعة السيوف والحديد و عجن الطين وتحويله الى أواني و فوانيس للبخور ، بينما تمثل أشجار النخيل مصدرا خاصا متفردا تتولد عنه الكثير من المزايا ، فهذه الأشجار التي تعلوا باسقات في أرجاء الصحراء الكبرى حول منها سكان ولاية أدرار مادة خامة يعتمدون عليها لتحويل جذوعها اللولبية لأعمدة تنتصب لحمل أسقف منازلهم المبنية من لبان الطين بينما تستغل التمور كمادة غذائية هامة لتعوضهم عن كل الفيتامينات والبروتينات التي تفتقر الصحراء مصادرها الاصلية ، أما اسعاف النخيل التي تسمى في اللهجة المحلية بالجريدة وذلك لامتلاكها لجذع طويل تخرج منه عدة اعراف متشابكة بانتظام تتلاعب مع بعضها بشكل متناسق كصفحات جرائد الورق التي تنقل أخبار هذه المنطقة .

حظيت السيد فاطنة بزواجها من عائلة بلغيثي لتنتقل لقرية أخرى و عالم جديد عنها ككل فتاة ، يقال أن سر بقاء الشعوب الصحراء وانتقال الثقافات بينهم يكمن في تعدد المصاهرات بين القصور المختلفة والقرى فكانت سبب في نشر التعاليم الدينية والثقافات المتعددة منذ دخول الإسلام ،حيث زفت العمة فاطنة معها حرفتها التي أتقنتها من يد عمتها سيدة هذه حرفة نسج سعف النخيل ,تزوجت وعاشت في قصر أقبلي و ملأت ساعات فراغها في ظهيرة الصيف وعصرها في صنع جدائل النخيل ونسجها لتصنع منها القفف والسلال التي تملك مسميات خاصة باللهجات المحلية كالتدارة والتي تشبه حبة الأنجاص في شكلها يحفظ فيها السفوف وهو عبارة عن تمور جافة يتم هرسها بمهراس خشبي خاص لتتحول لقطع صغيرة يسهل هضمها ,ومن أهم المنتجات أيضا الغطاء الوعاء الذي يستعمل في طبخ الكسكس وحمايته من الحشرات والسماح لبخار مياه القدر أن تتغلغل بين حبات الكسكسي المدعوا بالقدح والذي يشبه في شكله قبعة من السعف , أما الطبڨ الشهير والذي تنطق قافه بحرف الجيم المصرية ، وهو عبارة عن طبق ذو أحجام مختلفة من الطول والعرض يستخدم الطبڨ ذو الشكل المسطح في تصفية القمح والشعير اما ذو الشكل المقعر فيستخدم في وتوجد انواع مختلفة منه تستخدم في حفظ الطعام والتمور وتقديمها للعائلات اثناء الخطبة وهي تحمل في داخلها العطور والبخور والهدايا وحتى قطع الجوهرات من الذهب و الفضة .
لم تنفرد السيدة فاطنة بهذه الموهبة بنفسها بل تحولت لمعلمة لها وهي تنقلها لبنات جيرانها ونساء القصر لتحول أناملهن إلا أصابع تغزل وتنسج سعاف النخيل باحتراف ، وتحولت حينها لصناعة تقليدية يتغزل بها سكان المنطقة بأنفسهم وجعلوا منها عادة مقدسة تميز صندوق كل عروس تزف لبيتها ، حيث كانت العرائس تنزف لمنازلهن وهن يحملن بجعبتهن الزرابية المنسوجة بالصوف و فوانيس البخور المسمات بالبخاريات إضافة لمجموعة من الأواني والقصاع التقليدية من القصدير فضلا عن السلال والقفف والطبڨ ، نالت حرفة السيدة فاطنة شهرة واسعة في القصر الذي تقطن فيه وحتى للقصور المجاورة بتوالي السنين ، أصبحت السيدة فاطنة التي تملك أربعة أباء اأما للجميع ويطلق عليها بالعمة فاطنة وهو الاحترام الذي نقلته تلميذاتها لأبنائهن وأحفادهن فيما بعد ، حتى جاء العام 2007 حينما صدر القرار الرئاسي من الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة لتكريم الحرفيين بيوم خاص يطلق عليه بيوم الحرفي يحتفى به في التاسع من نوفمبر وقتها شدت الرحال اإلى العاصمة لتكرم بوصفها أكبر حرفية جزائرية بعدما ذاع صيتها بين جمعيات الحرفيين والصناعات التقليدية بولاية أدرار ، كبرت العمة فاطنة بالسن لكن حرفتها ظلت صامدة بين أنامل بنات قريتها ونسائها ، ربما انتشرت تلك الحرفة بين الجميع لكن مصدر الرزق من كل حرفة لم يجد ضالته في قلب الصحراء البعيدة التي كانت كعائق أمام تصدير منتجاتها ومنتجات بنات القرية اللواتي لم يستطعن حتى ومع تطور وسائل النقل من توسيع الشكل التجاري لحرفتهم , فبخلاف الولايات التي تقع بين حدود الولايات حيث يستطيع الحرفيون عرض منتجاتهم أمام كل عابر طريق في المسار السريع ،يصعب هنا على السيدة فاطنة وامثالها من الحرفيات والحرفيين بولاية ادرار من نقل حرفهم بسهولة حيث يعتمد الحرفييون على بيع منتجاتهم على المعارض والمهرجانات الخاصة التي تدعوهم لعرض منتجاتهم وبيعها للسياح الذين تناقص عددهم بسبب وباء جائحة كورونا مما عطل مواردهم ، لليتجلى الترابط الخالص بين الصناعات التقليدية والسياحة التي هي بحاجة لاستيراد وتصدير العديد من المنتجات لتجذب انظار السياح من داخل الوطن وخارجه .
اليوم تكتفي العمة فاطنة ببيع منتجاتها فقط على مستوى قريتها لتصبح كمواد تزيين خاصة تضعها العرائس في هذا العصر المعاصر الذي تزاوجت فيه الحضارات وتحولت الأعراس إلى تمازج ما بين المعاصر والعتيق ، لم تكف العمة فاطنة عن حضور المعارض الولائية حتى تسوق لمنتجاتها حيث جذبت أنظارنا في معرض الصناعات التقليدية التابع لبلدية سكنها بأولف واصبحت قصة ملهمة تحمل رسالة المرأة الريفية الأدرارية التي كافحت من أجل كتابة قصة مقومة سكان الصحراء للعيش والبقاء ومحاولة كسب قوتهم من تسويق منتجاتهم التي صنعتها أيديهم .