أولادنا وأغاني “بابا جاب لي بَلّونْ”……!!

كتبه: عبد القادر أعبيد

قبل أيام، في مساحة ألعاب بساحة الشهداء وضعت ولدي في “السيارة الهزازة” ودفعت بقطعة العشرين ديناراً لتهتز السيارة صادحة بأغاني أطفال (لقناة أردنية معروفة ) وفي قبالتي كان رجل آخر يضع ابنه في السيارة الثانية لتنطلق منها أغاني بالفرذسية، مفارقة أعادتني إلى حزن قديم عن غياب قنوات (ذات صيت) في بلادنا تخص أطفالنا وتربطهم بأصالتهم  وتحفظ تراثنا وتنقله إليهم.

 و”انفتحَت السيرة%!: أعني أني أوْغَلت في الأمر حتى سخِرتُ (في نفسي) من كل المحاولات اليائسة لربط المواطن الجزائري  بمرجعياته الفكرية والعقدية (المذهبية) مادام الأمر في الصبا كما نراه ونعيشه.

قد يظهر للبعض أني هوّلتُ الأمر وأعطيته أكثر مما يستحق، ذلك أن هذا الجيل ليس أول جيل تسلِم البلاد غرس القيم فيه وتربيته إلى عقول من غير (علمائها ومثقفيها وفنانيها)، وقد تغدو القيمة الأخلاقية “الإنسانية” التي تبثها أغان مشرقية اللهجة مثل: بابا فين… أو غربية اللسان و”الخلفية” مثل: Frère jaque dormir vous، أرفع من أن نناقش محاذيرها من حيث التاثير على ارتباط الطفل عندنا، بلهجته وتراثه …، ولكن ما الداعي حينها للتباكي على شباب يتزيَّا و”يَرطنُ” بألسنة الغربيين ويتبنى مناهجهم في كل مناحي الحياة، أو آخر يزهو على أهل مدينته بـ”مذهب” في الدين يخرجهم به من المله…..، وأسلوب في اللباس يستقتل في فرضه على أهله من يليه.

سيقول الناس: إنك تنكر جهوداً جبارة تبذل هنا وهناك من أجل ترسيخ القيم ومكونات الهوية الوطنية في الأطفال. فأقول: اللهمَ لاَ!.. فأنا أذكر (بكثير من الحرقة) عمل من لا يغمضطُ لهم حقْ: من “ما ما نجوى” إلى الفكاهيين “حديدوان وأمَّا مسعدودة” وليس انتهاءً بأغاني الشاعر الفنان حسان بلعبيدي …. وقبلهم طائفة – ممن يقصر دونهم  الحصر-  من المثقفين والعلماء…. وفي شتى مناحي التربية وفي مختلف مستوياتها ووسائطها . ولكن السؤال الفاصل(هو): ما الذي جعل أغاني تقلُّ وفي أحسن الأحوال تتماثل في المضامين مع تلك التي أنتحها مَن ذكرتُ، تغزو عُقر الدار وتغدوا مناطاً لتعلم القيمِ والسلوك؟! أقول ذلك بالنظر إلى أني دائماً ما أحضر حفلات اختتام مواسم الروضات في أدرار، فأجد أن أغلب الأغاني التي يؤديها الأطفال في تلك الحفلات هي من إنتاج أخواننا في المشرق أو تلك الوافدة من وراء البحر!!. وإذَنْ!!.

أنني أتساءل (في سذاجة الأطفال): (يرحم الله والديكم) قولوا لي ما الذي يجعل دولة مثل الأردن الشقيق قادرة على اكتساح عالم الطفولة العربية من أقصاه على أقصاه بقناة تلفزية “عائلية“(تقودها عائلة) في حين تفشل الجزائر(الجزائر في اللغة جمع “جزيرة”) في ذلك؟! وأنا أعني الجزائر كلها (كاملة غير منقوصة مُشرِّقيها“les  orientalistes”   ومُغرِّبيها” les occidentalistes” )، إلا إن كنا لا نستشعر أهمية الأمر!.

إنني لا أنكر ضرورة بل حتمية التأثر، وحقيقة اشتراكنا مع غيرنا من المسلمين في قيم الدين ومع العرب في عموم اللسان، ومع سواهم من بني البشر في قِيم العيش الانساني المشترك، ولكن أين نضع محلّيتنا إن استسلمنا لكل وافد؟!، ولن أفتح باب الأمازيغية واللهجات الأخرى التي يحفل بها هذا الوطن فدون إحاطتي بالأمرِ “خرط القتاد”، ولكن مِن حَقي أن أفتح باب رفضي على مصراعيه:

نعم أيها السيدات والسادة:إن احتقار ما في أيدينا من (التراث والمعرفة والفن…) يبدأ من هنا، من أغنية في “سيَّارة هزازة”!!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.